الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حديث وقوع الذباب في الإناء فيه إعجاز طبي

219392

تاريخ النشر : 24-09-2014

المشاهدات : 165687

السؤال


سمعت شخصاً يستهزئ بحديث الذبابة ، وقال بأنه لو غمست جناح ذبابة - كما جاء في الحديث - وكانت هذه الذبابة تحمل مرض الملاريا ، لأدى ذلك إلى إصابة الشخص بمرض خطير . فكيف يمكننا الرد عليه ؟

الجواب

الحمد لله.

يمكننا الرد على صاحب هذه الدعوى بأن الذي يبدو عليه أنه لم يتابع الجديد ، فدعواه هذه قديمة أكل الدهر عليها وشرب ، وأما اليوم فقد انقلبت إلى الضد تماما ، فقد أصبح هذا الحديث واحدا من أشهر أمثلة الإعجاز الطبي في الحديث النبوي الشريف .

فقد أثبت العلم الحديث بالأبحاث التجريبية المختبرية المحكمة والمعتمدة ، أن الذباب يشتمل فعلا على الداء المتمثل بالبكتيريا الضارة ، وعلى الدواء المتمثل بالمضادات لتلك البكتيريا . مصداقا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ؛ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً ) رواه البخاري (3320)

ومن أقوى الأبحاث التي أقيمت في هذا الموضوع بحث الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن ، أستاذ الحشرات الطبية ، ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض ، وكان بحثه بعنوان : " الداء والدواء في جناحي الذباب "، يمكن الاطلاع عليه على الرابط الآتي :

http://www.eajaz.org/pdf/12.pdf

وقد جاء في نتائجه (ص9-11) قوله :

" يتضح من النتائج السابقة وجود كثافة عددية عالية من انواع عديدة من البكتريـا علـي جناحي الثلاثة انواع من الذباب ، بينما قلت اعداد البكتريا وانواعها علي جناحي البعوضـة . 

كما اتضح ان أكثر انواع البكــتريا شراسة هو نوع (B.circulans) الذي يفرز مادة مضادة للحيوية لكثير من انواع البكتريا الاخري سواء سالبة أو موجبة الجرام .

ولقد لـوحظ تواجـد هذه البكتريا بكثافة عالية علي الجـناح الأيمن للذباب . كما لوحظ وجود انواع من الفطريـات التي تفرز أيضا مواد مضادة للحـيوية لكثير من انواع البكـتريا .

كما اتضـح قدرة البكتريـا (B.circulans) علي قتل الانواع الاخري من البكتريا في زمن قصير جدا . وهي البكتريا التي تنقل العديد من الامراض للإنسان والتي تم ذكرها . 
إذا رجعنا الي نص حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم عن ابي هريـرة : ( اذا وقـع الذباب في اناء احدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في احد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ). 
نجد ان حرف الفاء في " فليغمسه " يفيد السرعة ، بينما " ثم " تفيد التراخـي والـبطء . لذلك فأمر الرسول صلى االله عليه وسلم بغمس الذباب بسرعة لأنه يتعلق على سطح الـسائل لوجود التوتر السطحي وكلمة ( ثم ) بعد الغمس تعطي فرصـة للأنـواع المفيـدة مـن البكتريـا والفطريات لكي تفرز المواد المضادة للحيوية والدواء أو ( الشفاء ) لكي تقضي علـي البكتريـا الضارة (الداء) .

ولقد ثبت أنه حتى لو اكل الإنسان أو شرب من الاناء فإن المادة الفعالة تظل نشطه في امعاء الإنسان لان هذه البكتريا في حالة معايشه في امعاء العائل . كما أنها تتحمـل درجات الحرارة العالية ، تأثير الاشعاع ، تأثير المواد الكيميائية والبرودة أي ان الذباب حتـى لو سقط في إناء به طعام أو شراب ساخن أو بارد فإن البكتريا المفيدة (الدواء) تظـل نـشطة وتفرز المادة الفعالة القاتلة لانواع الميكروبات الأخرى بأقل تركيز وهو ml/µg 5 . أي أن 5 جم من المادة كافية لتعقيم ١٠٠٠ لتر من اللبن أو أي سائل أو طعام .
ولعل عظمة الرسول صلى االله عليه وسلم في الأمر بغمس الذباب تتضح فـي ميكانيكيـة افراز المادة الفعالة (الدواء) حيث ان إفراز أنواع البكتريا النافعة والفطريات لهذه المواد لايتم إلا في وجود وسط ، وهو هنا الطعام أو الشراب الموجود داخل الاناء . حيث يسمح هذا الوسط ١٠ لان يتقابل كل من الداء والدواء وجها لوجه بدون عوائق ويتم الالتحام وعنـد ذلـك تقـوم الكائنات المفيدة بالقضاء علي الكائنات الضارة .

ولقد وجد ان المادة المضادة للحيوية والتـي تقتل البكتريا سالبة أو موجبة الجرام لاتتحرر من الخلايا الفطرية إلا اذا امتصت السائل وعنـدذلك فإنه بواسطة خاصية الضغط الاسموزي تنتفخ ثم تتفجر وتطلق محتوياتهـا التـي تعتبـر كالقنابل وتقوم بالقضاء علي البكتريا الضارة .

ولوحظ أن هذه القنابل تقذف لمـسافة ٢ مـم داخل السائل وهي مسافة تعتبر عظيمة بالنسبة لحجم الكائنات الدقيقة .
وفي ابحاث كثيرة سابقة قام بها الباحث الحالي مع آخرون ، تم عـزل معظـم البكتريـا الممرضة من علي السطح الخارجي للذباب وخاصة من علي الأرجل والبطن مثـل بكتريـا : الخمرة الخبيثة ، التيفود ، الباراتيفويد ، الدوسنتاريا ، امراض العيون ، الجهـاز التنفـسي ، الجهاز الهضمي ، الجهاز العصبي ، الجهاز البولي التناسلي وغيرها كثير . لذلك فإنـه عنـد غمس الذباب في الاناء فإن البكتريا المفيدة والتي تم استخلاص المادة الفعالة منها بالاضـافة الي المواد ضد الحيوية المفرزة من الفطريات تقوم بالقضاء علي كل هذه الانـواع الـضارة .
ولعلنا فهمنا الحكمة من قول سيد الخلق صلى االله عليه وسلم " فليغمسه " وفي احاديث أخرى " فامقلوه " أي فاغمسوه .
لقد لوحظ ان اعداد البكتريا بعد غمس الذبابة تتناقص كثيرا عما كانت عليه قبل الغمـس ولذلك لان البكتريا المفيدة والفطريات تفرز المواد المضادة للحيوية التي تقتل البكتريا الضارة بعد سقوطها في السائل .

وهذا البحث يفسر النتائج التي توصل اليها د/ نبيه عبـد الـرحمن باعشن والمشاركون معه في تناقص اعداد البكتريا في السائل بعد غمس الذبابة وليس زيادتها كما هو متوقع (د/ خليل خاطر – مرجع سابق) . 

 وأهم مانود الإشارة إليه ، هو ان رسولنا الكريم صلى االله عليه وسلم لم يدع أحـداً إلى وضع الذباب في الإناء عنوة ، أو إلي الشرب أو الأكل من الإناء الذي وقع فيه الـذباب ، ولكنه صلى االله عليه وسلم يلفت نظرنا إلى أن لكل داء دواء . ويدفعنا الحديث في آخره إلى البحث عن الدواء أو الشفاء في جناحي الذباب ، لمعالجة الأمراض التي ينقلها الذباب للإنسان  .

إن الحـديث الشريف يفتح المجال لاكتشاف عشرات المضادات الحيوية من الذباب .... أي أننا نستطيع أن نحصل علي علاج أو دواء لكل الأمراض التي ينقلها الذباب في مناطق العالم المختلفة ، ولعل هذا البحث هو الأول من نوعه في هذا المجال وربما يفتح الطريق لتحقيـق مزيدا من الانتصارات العلمية لعلماء المسلمين .  " انتهى .

ولذلك فإن من أهم ما يجب العناية به الحذر البالغ من مغالطة " النفي " ، نعني نفي دلالة العلم على ما ورد في الحديث ، وبناء عليه عدم التصديق بالحديث ، فهذه إحدى المزالق النقدية التي وقع فيها بعض الناس قديما وحديثا .

وقد قال ابن تيمية رحمه الله : " أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب ، لا في الإثبات ؛ لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/145) .

ومن المعلوم كذلك : أن عدم وجدان الدليل المعين ، لا يعني العدم ، بل " كما لا يجوز الإثبات إلا بدليل ، لا يجوز النفي إلا بدليل " ينظر: " مجموع الفتاوى " (16/431).

قال الخطابي رحمه الله :

" تكلم على هذا الحديث بعض من لا خَلاق له ، وقال : كيف يكون هذا . وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة ، وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء ، وتؤخر جناح الشفاء ، وما أَرَبها إلى ذلك " انتهى من " معالم السنن " (4/259).

وهذا الاعتراض سببه الأول التسرع في النفي ، وقد كان بالإمكان الجواب على هذا الطعن كما قال المعلمي رحمه الله : " بأي إيمان ينفي أبو رية وأضرابه أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد ؟! " انتهى من " الأنوار الكاشفة " (221).

وجاء في كتاب " مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها " (ص47) قوله :

" فمن أين علم هؤلاء أن ذلك الدواء الذي رواه الحديث ليس موجوداً في الذباب ؟! ومن أين علموا أن الذباب لا يحمل شفاء ؟!

إن جهلهم لذلك لا يدل على عدمه في نفسه ، وهم يعرفون أن عدم العلم بالأمر لا يدل على أنه مفقود في الواقع ... وما ذكر ليس مما يدفعه العقل أو الطب ، لا يدفع العقل ولا الطب أن تجتمع المتضادات في الأمر الواحد والجسم الواحد .

وأما قول هؤلاء على الحديث : إنه من أمور الدنيا التي يجوز أن يخطئ فيها الرسول عليه السلام .

فيقال : هل مثل هذا يقال رأياً بدون وحي ؟! ولو قاله بعض الصحابة أو التابعين لقلنا إنه تلقاه ، وإن حكمه حكم المرفوع ، ولا يمكن أن يكون قاله اجتهاداً ، إذ لا يمكن أن يقول ذلك تهجماً من غير رواية ، وكل العلماء يقولون ذلك في أمثاله ، ويا ليت شعري كيف قال ذلك وهو يجهله ؟! وكيف عرض أمته لخطر الذباب وما فيه من أمراض ؟! " انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب