الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم شهادة الزور والتحاكم إلى القوانين الوضعية للتوصل إلى الحق المشروع

219828

تاريخ النشر : 12-08-2014

المشاهدات : 31894

السؤال

>السؤال:
هل يجوز شهادة أو قول الزور أي شهادة على أمر لم يحدث أصلا ؟ وذلك لإيصال حق لصاحبه الذي أخذ منه عن طريق الغش والاحتيال ، مع العلم أن الأمر سيتطلب ليس فقط قول الزور بل القسم عليه أمام القاضي . وما حكم التحاكم إلى المحاكم الوضعية للحصول على حقي ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
شهادة الزور من كبائر الذنوب التي توجب غضب الله سبحانه وسخطه , فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ) ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ) ، وكان متكئاً فجلس فقال : ( ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ) ، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت" رواه البخاري ( 5631 ) ، ومسلم ( 87 ) .
واعلم أيها السائل أن شهادة الزور محرمة حتى وإن كان يقصد بها التوصل للحق , لأن التوصل للحق وإن كان غاية مشروعة محمودة ، إلا أن الوسيلة إليه أيضا لابد وأن تكون مشروعة محمودة , وشهادة الزور أمر منكر محرم ؛ فلا يجوز اللجوء إليه للتوصل إلى الحق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " (6 / 119): " ..... لِأَنَّ الْغُلُولَ وَالْخِيَانَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ ، كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ " انتهى.
ثانيا:
التحاكم إلى القوانين الوضعية التي تحكم بالقوانين المخالفة لشرع الله : أمر محرم لا يجوز , بل إن أقدم عليه صاحبه ، طائعا ، مختارا ، مؤثرا له على التحاكم إلى المحاكم الشرعية : فإنه يكون قد فارق دين المسلمين ، وكفر برب العالمين , قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا )النساء / 60 .
فعلى المسلم أن يبرأ إلى الله سبحانه من هذه القوانين الفاجرة ومن مشرِّعيها , ومن الذين يحكمون بها ويقدمونها على شرع الله سبحانه , وليعلم أن هذا من قبيل الكفر بالطاغوت الذي لا يقبل إيمان العبد إلا به , قال تعالى ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )البقرة / 256 .
قال ابن كثير رحمه الله : " من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أي: فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " (1 / 683).

وأما إن اضطرته الضرورة لذلك ، بأن لم يكن هناك محاكم شرعية في بلده , وكان حقه سيضيع لو لم يتحاكم إلى هذه المحاكم الوضعية المبدلة لشرع الله سبحانه : فيجوز له حينئذ التحاكم إليها لاسترداد حقه المشروع ، بشروط :
الأول : أن يكون حقه الذي سيترافع بشأنه أمرا مشروعا ، لا مخالفة فيه لحكم رب العالمين.
الثاني: ألا يمكنه الوصول إلى حقه إلا بهذا الطريق المكروه إليه ، ولولا الضرورة ما استحل التحاكم إليه .
الثالث : ألا يأخذ أكثر من حقه ، ولو قضى به القانون الوضعي .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين في أمور الطلاق والتجارة وغيرها من الأمور ؟
فأجابوا : " لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة ، إذا لم توجد محاكم شرعية ، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502).
ويراجع للفائدة الفتوى رقم : (92650).
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب