الحمد لله.
السنة التي استمر عليها عمل المسلمين هي دفن موتاهم تحت الأرض ، وهذا هو الموافق لقوله تعالى : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) طه/55 .
قال الطاهر بن عاشور : " وَدَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَفِيها نُعِيدُكُمْ ) عَلَى أَنَّ دَفْنَ الْأَمْوَاتِ فِي الْأَرْضِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ لِمُوَارَاةِ الْمَوْتَى ، سَوَاءٌ كَانَ شَقًّا فِي الْأَرْضِ ، أَوْ لَحْدًا ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا إِعَادَةٌ فِي الْأَرْضِ .
فَمَا تأْتِيهِ بَعْضُ الْأُمَمِ غَيْرِ الْمُتَدَيِّنَةِ مِنْ إِحْرَاقِ الْمَوْتَى بِالنَّارِ ، أَوْ إِغْرَاقِهِمْ فِي الْمَاءِ ، أَوْ وَضْعِهِمْ فِي صَنَادِيقَ فَوْقَ الْأَرْضِ ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ وَفِطْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَارَى فِيهَا .
وَكَذَلِكَ كَانَتْ أَوَّلُ مُوَارَاةٍ فِي الْبَشَرِ حِينَ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ أَخَاهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ) فَجَاءَتِ الشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ بِوُجُوبِ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ " .
انتهى من " التحرير والتنوير " (16/240) .
وقال صديق حسن خان : " ويجب دفن الميت أي مواراة جيفته في حفرة قبر ، بحيث لا تنبشه السباع ، وتمنعه من السباع ، ولا تخرجه السيول المعتادة ، ولا خلاف في ذلك ، وهو ثابت في الشريعة ثبوتا ضروريا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( احفروا وأعمقوا وأحسنوا ) أخرجه النسائي والترمذي وصححه " انتهى من " الروضة الندية " (1/174).
وقال النووي : " أقل ما يجزىء في الدفن حفرة تكتم رائحة الميت ، وتحرسه عن السباع " .
انتهى من " روضة الطالبين " (1/191) .
قال الرملي : " وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ (حُفْرَةٌ ) عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِوَضْعِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا يَمْنَعُ ذَيْنَكَ [ يعني : الرائحة والسباع ] " انتهى من " نهاية المحتاج" (8/251) .
وقال ابن عابدين : " لَا يُجْزِئُ دَفْنُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِبِنَاءٍ عَلَيْهِ " انتهى من " حاشية ابن عابدين " (2/233).
والحاصل : أنه لا يجوز دفن الميت في غرفة فوق سطح الأرض ، وقد نص العلماء على منع ذلك .
وأما ما ذكرته من كونهم يفعلون ذلك لأن الأرض زراعية ، ومعنى هذا : أنه إذا حفر القبر فإنه سيمتلئ بالمياه الجوفية ، فهذا يكون عذرا للدفن فوق الأرض بالطريقة التي ذكرتها للضرورة .
ولكن يجب قبل ذلك : السعي لإيجاد حل لهذه المشكلة التي تمنع الدفن بالطريقة الشرعية ، فيُسأل في هذا المتخصصون كالمهندسين ، وقد يكون من الحلول أن يؤُتى برمل كثير ويُرفع به مستوى القبور عن سائر الأرض المحيطة بها ، كما هو موجود فعلا في كثير من المقابر .
فعلى أهل كل قرية ومدينة أن يحرصوا على أن يكون دفن موتاهم موافقا للشرع غير مخالف له .
وإلى أن يتم ذلك يجوز الدفن بالطريقة التي ذكرتها للضرورة .
وينظر جواب السؤال : (103880) ، (203334) .
والله أعلم .
تعليق