الحمد لله.
أولا :
ما يفعله هؤلاء الناس من سبّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم وأشنع الجرائم والمحرمات ، وهذا الفعل ردة صريحة ، وخروج من ملة الإسلام ، بالإجماع .
راجع للفائدة الفتوى رقم : ( 114779 ) ، ورقم : ( 22809 ) .
وما تفعله أخي الكريم من مداومة نصحك لهم ، ونهيك عن المنكر : هذا من أعظم
الأعمال ، وبهذا أنت تقوم بشعيرة عظيمة وهي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
، وهي من علامات إيمان العبد .
قال الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة /71.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) من حديث
أبي سعيد .
ومداومتك على نصحهم مع عدم استجابتهم هو معذرة إلى الله تعالى ، وطرد لليأس فقد
يأتي يوم ويهتدون .
قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا
اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً
إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأعراف / 164 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" وقالوا لهم : ) لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ
عَذَابًا شَدِيدًا ) كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله ، ولم يصغ
للنصيح ، بل استمر على اعتدائه وطغيانه ، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله ، إما بهلاك ،
أو عذاب شديد.
فقال الواعظون : نعظهم وننهاهم ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) أي : لنعذَر فيهم .
( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : يتركون ما هم فيه من المعصية ، فلا نيأس من
هدايتهم ، فربما نجع فيهم الوعظ ، وأثر فيهم اللوم.
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة ، وإقامة حجة على المأمور المنهي
، ولعل الله أن يهديه ، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر والنهي " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص 348 ) .
لكن إذا رأيت أن في بقائك بينهم خطرا على دينك ، ودين أسرتك وأولادك ، وخرجت من
بينهم إلى حي آخر ، أو مدينة أخرى حماية لدينك : فهو أفضل لك ، وأعظم لأجرك ، وأحوط
لدينك . لكن ، مع عدم القدرة على ذلك ، وقلة الإمكانات ، وقصر اليد ، كما تقول :
فلا تكلف شيئا من ذلك أصلا ؛ وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) التغابن/16.
ثم إن أصل الموازنة بين مصلحة البقاء في بلدك ، أو الخروج من بينهم ، عند القدرة
عليه : هذا يرجع إليك ، وما تراه أنت من واقع الحال ، فتقدم ما تراه الأصلح لدينك .
وأخيرا ، فإننا ننبه إلى أن ما ورد في السؤال من اختصار لجملة ( صلى الله عليه
وسلم ) بـحرف ( ص ) ، هذا غير لائق بمقام الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن
من عرف الناس عدم الاختصار عند مخاطبة أو ذكر من له مكانة عندهم فكيف بمكانة النبي
صلى الله عليه وسلم ، كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه من العبادات القولية
والمسلم إذا أدى عبادة عليه أن يتقنها ويؤديها على الوجه المشروع والكامل .
وراجع للأهمية الفتوى رقم ( 47976 ) .
والله أعلم .
تعليق