الأربعاء 5 جمادى الأولى 1446 - 6 نوفمبر 2024
العربية

تابت من ردتها فهل يجب عليها قضاء الصلاة والصيام حال ردتها ؟

السؤال


أنا من عائلة مسلمة ، ولكن لعدة سنوات من حياتي لم أكن أمارس شعائر الإسلام على الإطلاق ، بل أنني حاولت تعلم ديانة أخرى ، ومارستها بشكل يومي ، وقد استمر ذلك لمدة 7 سنوات تقريباً ، ولكن خلال تلك الفترة كنت لا زلت أصوم شهر رمضان ، ولكن كنت أفطر أياماً منه في كل سنة ، والآن - الحمد لله - وجدت طريقي للإسلام ، وأحاول أن أتذكر عدد الأيام التي لم أصمها ، ولكنني لا أستطيع أن أتذكر ذلك ، فضلاً عن أيام حيضي خلال تلك الأشهر، ولست متأكدة من قضائي تلك الأيام في السنة الأولى . فسؤالي هو : هل يجب علي قضاء الأيام التي أفطرتها من السنة الأولى والتي أنا غير متأكدة من قضائي لها ؟ وكيف أقضي الأيام التي لم أصمها خلال السنوات الستة الأخرى ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
نحمد الله أنْ مَنَّ عليكِ بالهداية إلى الإسلام والالتزام بشرائعه ، ونسأل الله لنا ولكِ الثبات على الدِّين والصراط المستقيم حتى الممات .
وعليكِ بلزوم الاستغفار ممَّا وقعَ منكِ من الرِّدَّة عن دين الإسلام ، وما وقعتِ فيه من تقصير وتفريط ، ونبشِّركِ أنَّ الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، والله غفور رحيم ؛ قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 ، وقال تعالى أيضا : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر/53-55 .

ثانيًا:
ما وقع منك من تعلم ديانة أخرى ، سوى دين الإسلام ، ثم ممارستك لها : هو ردة صريحة عن دين الله عز وجل ، بالإجماع ، حتى ولو بقيت متمسكة بشيء من دين الإسلام ، بل ولو ظللت تؤدين جميع فرائضه ؛ فإن عدم الجزم في الثبات على الدين ، أو التردد بينه وبين دين آخر ، أو الأخذ بدين غيره ، مع التمسك بأحكامه ، كل هذا ردة صريحة عن دين الله عز وجل ، لا شك فيها ؛ ولا يقبل لعبد فيها عملا من أعمال الإسلام ، مهما عمل ، حتى يتوب عن ردته ، ويترك ما سوى دين الإسلام .
يقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 ، ويقول سبحانه: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مَن اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتديَّن بما شاء ، وأنه حُرّ فيما يتدين به ؛ فإنه كافر بالله عز وجل ؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ، ويقول: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ).
فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنَّ دينًا سوى الإسلام جائز، يجوز للإنسان أن يتعبَّد به ؛ بل إذا اعتقد هذا فقد صرَّح أهل العلم بأنه كافر كفرًا مخرجًا عن الملة " انتهى من "مجموع فتاواه" (3/ 100).
وقال: " ونؤمن بأنَّ شريعته صلى الله عليه وسلم هي دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، وأنَّ الله تعالى لا يقبل من أحدٍ دينًا سواه ...
ونرى أنَّ مَن زعم اليوم دينًا قائمًا مقبولاً عند الله سوى دين الإسلام ، من دين اليهودية أو النصرانية أو غيرهما؛ فهو كافر، يُستتاب ، فإنْ تاب وإلا قُتِلَ مرتدًّا ؛ لأنه مكذِّب للقرآن " .
انتهى من " عقيدة أهل السنة والجماعة " (ص 21).

ثالثا :
إذا تقرَّر هذا ؛ فالمرتَدّ إذا تابَ وعادَ إلى الإسلام ؛ فليس عليه قضاء ما تركَه من صلاة أو صيام زمنَ الرِّدَّة ؛ لأنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبلَه ، والتوبة تهدم ما قبلها.

وقد سُئِلَ الشيخ ابن باز رحمه الله : هل على المرتَدّ قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله ؟
فأجاب : " ليس عليه القضاء ، ومَن تاب تاب الله عليه ، فإذا ترك الإنسان الصلاة ، أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ، ثم هداه الله وتاب : فإنَّه لا قضاء عليه .
هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم ؛ لأنَّ الإسلام يَجُبّ ما قبله ، والتوبة تهدِم ما كان قبلها.
قال الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال/ 38؛ فبيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : التوبة تَجُبّ ما قبلها ، والإسلام يهدِم ما كان قبله " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (29/ 196).
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " : " وليس على المرتد إذا رجع إلى الإسلام أن يقضي ما ترك في حال الرِّدَّة من صلاة وصوم وزكاة ... إلخ.
وما عملَه في إسلامه قبل الرِّدَّة من الأعمال الصالحة ؛ لم يبطل بالرِّدَّة إذا رجع إلى الإسلام ؛ لأنَّ الله سبحانه علَّق ذلك بموته على الكفر، كما قال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) الآية البقرة/161، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) الآية البقرة/217" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 9).

وعلى هذا؛ فإذا كان الواقع ما ذكرتِ من التوبة عن الردة ، ورجوعك إلى دين الإسلام ، وترك ما سواه من الأديان : فليس عليكِ قضاء ما تركتيه عمدًا من الصلاة ولا الصِّيام ، ولا ما أفطرتيه من رمضان أيَّام حيضك ، سواء في السنة الأولى أو السنوات التي تليها.
وعليك بلزوم الاستغفار، والإكثار من النوافل، مع المحافظة مستقبلاً على الصلاة والصِّيام وعدم التفريط فيها.
ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق لما يحبُّه ويرضاه ، والثبات على الدِّين حتى الممات .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب