الحمد لله.
شريعة الإسلام شريعة الوسطية والاعتدال في كل شيء ، ومدار التكليف فيها يوازن بين تلبية حاجات الإنسان وإشباع رغباته ، وبين رسم الحدود التي تضمن عدم الطغيان في الأرض ، وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء .
ولذلك كان الاعتدال والتوسط من أهم مقاصد الشريعة في أبواب النفقات ، فقال الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان/67 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في
حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا " انتهى
من " تفسير القرآن العظيم " (6/124) .
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله :
" ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا ) النفقات الواجبة والمستحبة ( لَمْ يُسْرِفُوا )
بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة ، ( وَلَمْ
يَقْتُرُوا ) فيدخلوا في باب البخل والشح ( وَكَانَ ) إنفاقهم ( بَيْنَ ذَلِكَ )
بين الإسراف والتقتير ( قَوَامًا ) يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات
والنفقات الواجبة وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي ، من غير ضرر ولا ضرار ، وهذا
من عدلهم واقتصادهم " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/586) .
ويقول الله سبحانه وتعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا . وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا . وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا . إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) الإسراء/26-30 .
ونحن ندعوك إلى الالتزام بهذه الوصية الربانية ، الاقتصاد والاعتدال في تحضيرات
الزفاف ، فلا تهملي في لبس الجميل من الثياب ، واختيار اللائق الذي تحبه النساء
وترغب به ، فالالتزام لا يعني أن يحرم المرء نفسه متعة الدنيا وزينتها بالحلال ،
وخاصة في مثل يوم الزفاف الذي لا يتكرر كثيرا ، وتعارف الناس فيه على أخذ كامل
الزينة المباحة .
وليس من المرغوب فيه أن يخالف المسلم أعراف الناس وعاداتهم التي لا تصادم الشرع ،
ولا توقعه فيما حرم الله ؛ خاصة وأن التزين والتجمل في هذا اليوم ثابت ، حتى في
السنة النبوية ، فقد قالت عائشة رضي الله عنها : ( ثُمَّ أَخَذَتْ [تعني أمها]
شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي
الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ ، فَقُلْنَ عَلَى
الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ ،
فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي ) رواه البخاري (3894) ، ومسلم (1422) ، وفي حديث أنس بن
مالك رضي الله عنه : ( حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ ، جَهَّزَتْهَا [تعني صفية]
لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ ) رواه البخاري (371) .
فهذه الأحاديث تدل على تزين أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه
بهن ، وأمر الزينة يتغير بتغير الزمان والمكان ، وليس تعبديا يجب الالتزام به كما
كان في العهد الأول ، وليس له – أيضا - ضابط محدد في الشرع ، لكنه داخل في الإطار
الذي سبق بيانه : أن يكون في حد التوسط ، وعدم الإسراف .
وفي الحديث : عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جده عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُوا ، وَاشْرَبُوا ، وَتَصَدَّقُوا ، وَالْبَسُوا ، فِي
غَيْرِ إِسْرَافٍ ، وَلَا مَخِيلَةٍ ) رواه الإمام أحمد (6695) وغيره ، وحسنه
الألباني .
والخيارات اليوم كثيرة والحمد لله ، فيمكن للزوجين تحقيق الزينة المطلوبة باللباس ، ومكان الحفل ، ونحو ذلك على الوجه المقتصد ، الذي يحقق المطلوب ، ويبدو للناس بالجمال الموافق لعاداتهم ، وفي الوقت نفسه لا يخرج إلى إطار البذخ والإسراف .
كما ننبه إلى ضرورة التزام اللباس بالضوابط الشرعية ، التي أهمها أن لا يكشف
عورة المرأة بين يدي النساء .
وللتوسع ينظر في موقعنا الفتاوى الآتية : (12853) ، (112124) ، (171265) .
والخلاصة : أن لباس الصحابيات في الأعراس لم تنقل لنا أوصافه مفصلة ، ثم هو ليس محلا للتعبد أو الاقتداء في نفسه ، وإنما الواجب هو الاعتدال والتوسط ، من غير إسراف ولا تقتير ، مع الالتزام بالضوابط الشرعية العامة في ملابس المرأة .
والله أعلم .
تعليق