الحمد لله.
الواجب على المسلمين جميعا في جميع التخصصات تقوى الله تعالى ، والتحلي بأخلاق الصدق والأمانة والمروءة مع الناس جميعاً ، فلا يدفعهم الطمع بالمال إلى الوقوع في الغش أو شبهة الغش والخداع ؛ فمال الدنيا كلها لا يزن عند الله جناح بعوضة ، ولا يحقق السعادة في الدنيا ، بل الخسارة عند الله في الآخرة .
وما يسأل عنه المهندس المعماري مما يكثر وقوعه في هذا التخصص ، يمكن أن يكون سببا في الإثم والعدوان ، ويمكن أن يتقى شره وخطره :
فإذا كان التصميم المتفق عليه : واقعيا ، وليس مجرد خيال ، بحسب المعطيات المتاحة ، وحرص المهندس على تنفيذ التصميم على أرض الواقع تماما كما هو ، من غير نقصان ولا تشويه ولا إنقاص جودة وتصميم وجمال ، فلا حرج عليه ولا إثم ، فقد نفذ المطلوب المتفق عليه ، وحقق للزبون ما شرطه على نفسه في بداية العقد .
فإن رأى أن التغيير واقع لا محالة ، ولا يمكن تدارؤه ولا اتقاؤه ، فلا بد أن يبين للمتعاقد معه حقيقة الأمر من البداية ، ويخبره بأن التصميم الثلاثي الأبعاد قد لا يتحقق كما هو ، وإنما بنسبة (90%) مثلا ، نتيجة بعض الأمور التي تحكم المشروع ، ويبينها له ، ويبين له الاحتمالات الواردة في التنفيذ ، حينئذ يبرئ ذمته ، ويسعه عمله ، وأجرته حلال بإذن الله .
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532).
أما إذا لم يجر في التنفيذ نموذج التصميم المتفق عليه ، ولم يبين للمتعاقد معه احتمالات التبديل والتغيير ، فحينئذ كل ما نفذه خلاف المتفق عليه : يعد عيبا أو غشا يستحق الإثم عليه ، لما نقص من الأمانة في عمله ، والإتقان في أداء ما طلب منه ، ليستحق الأجرة عليه . قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين ) التوبة/119 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من غشّنا فليس منّا ) رواه مسلم (101).
فليختر المهندس المعماري أي الطريقين يشاء ، وليعلم أن أبواب الحلال أكثر من الحرام ، إذ هي الأصل والأوسع والأيسر ، وإنما يلبس الشيطان على بني آدم ليوهمهم كثرة الحرام فيتساهلوا في الوقوع فيه ، وقد قال الله عز وجل : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3.
هذا ، مع تقديرنا : أن ثمة فرقاً ، ولا بد ، بين روعة الصورة والمنظر المنتج في الحاسوب ، عما سيكون عليه صورة الأمر في الواقع ؛ فإذا كان الاختلاف ، هو مجرد ما يكون بين أي صورة ، وتطبيقها الواقعي ، مما لا يمكن تلافيه : فلا يظهر لنا في ذلك حرج ، ما دام لم يخل بالمواصفات المتفق عليها .
والله أعلم.
تعليق