الحمد لله.
الحكم في هذه المسألة له علاقة بمسألة أخرى , وهي أقصى مدة يمكثها الجنين في بطن أمه , وهي مسألة خلافية بين الفقهاء ، بل وبين الأطباء , والراجح أن الحمل لا يمكث في بطن أمه أكثر من سنة واحدة قمرية , وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (140103) .
ولكن كون هذا هو الراجح لا يمنع حصول حالات يتأخر فيها الحمل على سبيل الشذوذ والندرة , والأحكام الشرعية وإن كانت تبنى على الأكثر الغالب دون القليل النادر , إلا أنه لا مانع هنا من مراعاة النادر ؛ حفاظا على الأعراض , وحفظا للأنساب , وفرارا من اتهام المحصنات المؤمنات .
قال القرافي رحمه الله :
" اعلم أن الأصل اعتبار الغالب , وتقديمه على النادر , وهو شأن الشريعة ... وقد يلغي الشرعُ الغالبَ رحمةً بالعباد , ويقدم عليه النادر ، مثال ذلك: غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر ، فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنى ، وهو الغالب ، وبين أن يكون تأخر في بطن أمه ، وهو نادر ، ألغى الشارع الغالب , وأثبت حكم النادر , وهو تأخر الحمل ، رحمةً بالعباد لحصول الستر عليهم , وصون أعراضهم عن الهتك " انتهى بتصرف واختصار من " الفروق " (4/104) .
وعلى ذلك ، فإن كان هذا الرجل قد غاب عن زوجته مدة تدخل في عداد الأوقات التي ذكرها الفقهاء لبقاء الجنين في بطن أمه كالسنتين والثلاث والأربع , وقامت القرائن على صدقها ، ككونها عفيفة , وإخبار من يلازمها بدوام الحمل هذه المدة ونحو ذلك فهنا يلحق هذا الجنين بزوجها , خصوصا وأنه قد ثبت في العصر الحديث بعض الحالات النادرة التي تأخر فيها الجنين في بطن أمه لهذه الفترات , وقد ثبت هذا عند الشيخين الجليلين عبد العزيز بن باز , وبكر أبو زيد رحمهما الله تعالى , على ما سبق بيانه في الفتوى رقم : (120178) .
أما إن قامت القرائن على كذب المرأة , وارتاب الزوج في أمرها ، فله أن ينفيه فور ولادته باللعان , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (33615) , فإن لم ينفه باللعان فهو ابنه .
والله أعلم .
تعليق