الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

المسجد الأقصى ليس هو الهيكل ولم يبن على أنقاضه

224401

تاريخ النشر : 19-05-2015

المشاهدات : 41713

السؤال

كنت على تواصل مع امرأة إسرائيلية في الآونة الأخيرة ، وأخبرتني بأن المسجد الأقصى بُني على أنقاض معبد يهودي بناه النبي سليمان عليه السلام ، فقلت لها: إنه إنما كان مسجداً منذ اليوم الأول ، فضحكت وقالت : لم يكن هناك إسلام في ذلك الوقت . فكيف يكون هناك مسجد ! وأن سليمان كان ملكاً يهودياً ، وكانت مملكته مملكة يهودية اسمها يهوذا ، وأن كل من وجد في ذلك الوقت كان يهودياً . فهل كل ما قالته صحيح ؟ وكيف ضل بنو إسرائيل وغيروا التوراة التي جاءهم بها موسى ، واستمروا على ضلالهم حتى بعد مجيء الكثير من الأنبياء كسليمان عليه السلام وغيره ؟ وما هو التأريخ الحقيقي للمسجد الأقصى ؟ وماذا كانت تعني مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
سبق في السؤال رقم : (230200) أن الهيكل هو المعبد ، وأن ما يسميه اليهود بـ "هيكل سليمان" لا حقيقة له ، وإنما هو خرافة وأكذوبة من أكاذيب اليهود .
وأن المعبد الذي ثبت أن سليمان عليه السلام بناه فعلاً هو المسجد الأقصى ، وكان بناؤه له تجديدا لبنائه ، ولم يكن إنشاءً له لأول مرة .

ثانيا :
أول مسجد بني على وجه الأرض لعبادة الله تعالى وحده هو المسجد الحرام ، كما قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران/96 ، قال علي رضي الله عنه : كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله تعالى . " تفسير ابن كثير "(2/77).
ثم بعده بأربعين سنة بنى إبراهيم ، أو حفيده يعقوب عليهما السلام المسجد الأقصى .
وقد أخبرنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري (3366) ، ومسلم (520) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : ( أَرْبَعُونَ سَنَةً ) " .
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" الظاهر أن إبراهيم لما مر ببلاد الشام ، ووعده الله أن يورث تلك الأرض نسله ، عيَّن الله له الموضع الذي سيكون به أكبر مسجد تبنيه ذريته ، فأقام هنالك مسجدا صغيرا ، شكرا لله تعالى ، وجعله على الصخرة المجعولة مذبحا للقربان . وهي الصخرة التي بنى سليمان عليها المسجد ، فلما كان أهل ذلك البلد يومئذ مشركين دثر ذلك البناء ، حتى هدى الله سليمان إلى إقامة المسجد الأقصى عليه . وهذا من العلم الذي أهملته كتب اليهود " .
انتهى من " التحرير والتنوير " (4/15).
وقال ابن كثير رحمه الله :
"وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ : أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي أَسَّسَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ، وَهُوَ مَسْجِدُ إِيلِيَا، وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَرَّفَهُ اللَّهُ .
وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَدِيثِ" انتهى من " البداية والنهاية " (1/375) .

وغني عن البيان أن يقال : إن هذا المسجد (المسجد الأقصى) لم يُبْنَ على أنه معبد خاص باليهود ، بل بُنِيَ مسجدا للمؤمنين الموحدين ، يعبدون الله تعالى فيه .
فالمؤمنون أتباع الأنبياء في كل عصر : هم الأحق بهذا المسجد ، حتى انتهت الرسالة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، لأنه لا يصح إيمان أحد ، ولا يعتد به ، بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، نبيا ورسولا ، واتبعه على ذلك .

وقد صلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إماما بالأنبياء جميعا في هذا المسجد ، وذلك ليلة الإسراء والمعراج .
وفي هذا إشارة إلى أن قيادة البشرية إلى التوحيد والدين الصحيح ، قد انتقلت إليه صلى الله عليه وسلم ، وأن الواجب على جميع الناس – بمن فيهم أتباع الأنبياء السابقين – أن يكونوا من أتباعه صلى الله عليه وسلم ، فصار هو الأحق بهذا المسجد ، وورث أتباعه هذه الأحقية إلى قيام الساعة .

ثالثا :
القول بأنه لا يوجد مسجد قبل الإسلام ، قول باطل بلا شك ، فالإسلام (بمعنى توحيد الله وطاعته) هو دين الأنبياء جميعا ، والبناء الذي يبنى للسجود لله تعالى فيه ، والتعبد فيه : هو مسجد ، وهذه التسمية كانت معروفة قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فهذا المسجد المبارك لم يًبْنَ ، أولَ ما بُني ، لخصوصية الديانة اليهودية ، ولم يُسمَّ في جميع النصوص القرآنية والنبوية باسم دور عبادة اليهود " الصلوات "، رغم ورودها في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) الحج/40.
قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة في معنى (الصلوات): إنها كنائس اليهود .
قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" الصلوات : جمع صلاة ، وهي هنا مراد بها كنائس اليهود ، معربة عن كلمة ( صلوثا )، فلما عُرِّبت : جعلوا مكان الثاءِ تاءً، وجمعوها كذلك " انتهى من " التحرير والتنوير " (17/278) .

فما يسميه القرآن الكريم ( مسجدا ) لا يمكن أن يكون بِيعةً نصرانية ، أو كنيسا يهوديا ، بل هو مسجد في مصطلح ديانة الإسلام الأولى ، ملةِ إبراهيم الخليل عليه السلام . ولما ورثه اليهود والنصارى من ملة التوحيد ، بقي على وصف ( المسجدية )، ولم ينتقل إلى كونه معبدا خاصا بعبادة هاتين الديانتين .
حتى في عهود الأنبياء الكرام موسى وسليمان وعيسى... وغيرهم ، كان يسمى مسجدا؛ فليس من حق أتباع هؤلاء الأنبياء مصادرة هذا الوصف المسجدي الأصلي الأول .

لذلك جاء في حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (28/404) وصححه المحققون .
وأيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ اللهَ ثَلَاثًا ، أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ : فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، فَأَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ [المسجد الأقصى] خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ . فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (11/220) وصححه المحققون .

وقد قال الله عز وجل حاكيا عن أهل الكهف : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .
يقول الألوسي رحمه الله : " وظاهر ما تقدم أن المسجد اتُّخِذ لأن يعبد اللهَ تعالى فيه من شاء " انتهى من " روح المعاني " (8/225) .
وقد كان أهل الكهف -على ما ذكره بعض المفسرين- نصارى .

وجاء في " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " (11/ 177): " المسجد : من الألفاظ المعروفة عند الجاهليين ، وهو البيت الذي يسجد فيه ، وكل موضع يتعبد فيه ، فهو مسجد " انتهى .
وذلك يعني أنه ليس ثمة أي خطأ في تسمية " المسجد الأقصى " قبل البعثة النبوية باسم " المسجد "؛ وهو الاسم الذي سماه الله به في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1، ولما نزلت هذه الآية لم يعترض المشركون ، ولم يقولوا : لا نعرف المسجد الأقصى، ولم ينكروا هذا الاسم ، مما يدل على أن هذه التسمية كانت معروفة عندهم .

وبهذا نعلم أن المسجد الأقصى هو الاسم والمسمى الخالد إلى يوم القيامة بإذن الله ، وهو في الوقت نفسه الاسم التاريخي الذي سماه به الأنبياء .

رابعا :
أما القول بأن كل من كان موجودا في عهد سليمان عليه السلام فهو يهودي ، فهو قول لا يقل في البطلان عن سابقه .
فالشريعة اليهودية ليست دينا عاما لكل البشر ، بل هي شريعة خاصة بجنس خاص من البشر ، وهم ذرية يعقوب عليه السلام .

ومنذ أن وجد يعقوب عليه السلام كان يوجد معه أجناس أخرى من البشر ، من العرب وغيرهم ، واستمر الأمر على هذا في جميع الأزمان ، في زمن يوسف ثم موسى ثم داود وسليمان ... ثم عيسى .
ففي كل هذه الأزمان كان يوجد الموحدون من غير اليهود .
وذلك كله من مسلمات الشريعة اليهودية التي تقرر خصوصية الديانة وليس عالميتها ، وتسلم بأن كثيرا من الأمم والأقوام من حول اليهود كانوا من الموحدين على ملة إبراهيم ، ولم يبعث إليهم موسى عليه السلام باليهودية .
ولكن المكابرة تجعل الإنسان ينكر المسلمات والحقائق ، ويجور في الحكم ، ليستر الاحتلال والقتل والغصب ، ويروج للمشروع الصهيوني الإرهابي باسم الدين ، أو التاريخ !!

خامسا :
أما مملكة يهوذا ، ومملكة إسرائيل ؛ فبعد وفاة سليمان عليه السلام اختلف أولاده ، فانقسمت مملكته إلى مملكتين ، على كل مملكة أحد أبناء سليمان عليه السلام .
الأولى في الشمال ، وهي "مملكة إسرائيل" ، وتسمى أيضا : "مملكة السامرة" وعاصمتها "شكيم" (نابلس) ، وملكها "يربعام" وقد بايعه أسباط بني إسرائيل ، إلا يهوذا وبنيامين .
والثانية في الجنوب وهي "مملكة يهوذا" وعاصمتها "أورشليم" [القدس] وملكها "رصبعام" ، وقد بايعه سبطان من أسباط بني إسرائيل . وهما : يهوذا وبنيامين .
وقد دمرت وانتهت مملكة الشمال "إسرائيل" ، وذلك في عام 721 ق . م .
وفي عام 586 ق . م دخل القائد البابلي "نبوخذ نصر" (بختنصر) القدس ودمرها ، ودمر الهيكل وأحرقه ، وأخذ معه آلافا من اليهود وسباهم إلى بابل ، فيما عرف في التاريخ بالسبي البابلي الأول ، ثم عاد إليها ودمرها مرة أخرى ، فيما عرف بالسبي البابلي الثاني ، وبه انتهت مملكة يهوذا .
ويسعى اليهود إلى استعادة مملكتهم وإعادة بناء الهيكل .

ورد في " دائرة المعارف البريطانية " طبعة 1926 م : " أن اليهود يتطلعون إلى اجتماع الشعب اليهودي في فلسطين ، واستعادة الدولة اليهودية ، وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود " انتهى .

سادسا :
أما ضلال اليهود وتحريفهم للتوراة ، رغم مجيء الكثير من الأنبياء إليهم : فذلك أمر واقع لا يخفى ؛ فقد ارتدوا عن التوحيد إلى الشرك بعد موت موسى عليه السلام عدة مرات ، وقد كان الله تعالى يبعث إليهم النبي من أنبيائه ، ليحيي شريعة التوراة ، ويقودهم إلى التوحيد ، ولكنهم كانوا – في الغالب – يكذبون هؤلاء الأنبياء ويحاربونهم ، وقد قتلوا بعضهم ، قال الله تعالى : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة/ 87.
وقد حرفوا كتابهم وزادوا فيه ونقصوا .
وانظر جواب السؤال رقم : (216734) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب