الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم سب الدين للجمادات !

224702

تاريخ النشر : 26-01-2015

المشاهدات : 100618

السؤال


هل يجوز للمسلم أن يستعمل الألفاظ القبيحة المعنى في كلامه علي سبيل المزاح ، حيث إن لي بعض الإخوة ، حافظين لكتاب الله ويؤمون الناس في الصلاة ، وفي الفترة الأخيرة يستخدمون الألفاظ السيئة في حديثهم ، ويقولون إنهم يستغفرون كل يوم ! وماحكم سب الدين للجماد ؟ لأن أحدهم قد سب الدين يوما أمامي لهاتفه ، فقلت له : إن سب الدين كفر ، قال : الهاتف ليس له دين ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الفحش في القول والوقاحة في الكلام مما يبغضه الله تعالى ويمقت عليه ، قال تعالى : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) النساء/ 148 .
وهو من صفات المنافقين والفاسقين ، ومن أسباب دخول النار يوم القيامة ، مع ما يعرف به صاحبه في الدنيا من الوصف الذميم بين الناس .
انظر إجابة السؤال رقم : (148441) ، والسؤال رقم : (198252) .

فالواجب على المسلم أن يحفظ لسانه من فحش القول وسيء المنطق ، ولو كان مازحا ، فإن آفات اللسان من أعظم ما يبتلى المرء به في دينه وخلقه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) رواه الترمذي (2616) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال المناوي رحمه الله :
" فمن أطلق عَذَبَة لسانه مُرْخَى العِنان ، سلك به الشيطان في كل ميدان ، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع " انتهى من "فيض القدير" (2/ 79) .

وراجع إجابة السؤال رقم : (22170) لمعرفة شروط وآداب المزاح الشرعي .

ويتأكد النهي عن هذه الأخلاق الذميمة في حق من يجب أن يكونوا أهل قدوة للناس في حسن خلقهم وعفة لسانهم ، كأهل القرآن الحافظين له ، وكأئمة المساجد الذين يصلون بالناس ، فهؤلاء وأمثالهم يجب أن يكونوا من أبعد الناس عن فحش القول وقبيحه .
واعتياد هذه الأخلاق السيئة ، ثم الاعتذار عنها بالاستغفار منها مع التمادي فيها ، من الغفلة وعدم العلم بالله والجهل بأسمائه وصفاته سبحانه ، ثم هو إصرار على فعل الذنب من غير توبة صحيحة منه ، والإصرار على الصغيرة مهلكة ، فكيف إذا كان على فاحش القول ، وعادة السوء في اللسان .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" نص العلماء على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة , لما في ذلك من الدلالة على أن صاحبها لم يقم في قلبه من تعظيم الله ما يوجب انكفافه عنها ". انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (15/ 138) .

ثانيا :
سب الدين للجمادات من فاحش القول ، وبذيء اللفظ ، وهو من عادة السوء في السب والفحش .
ويخشى على صاحبه أن يقع به إثم سب الدين ، لا سيما إذا عود لسانه ذلك الفحش ، فإنه يوشك أن ينتقل به إلى سب دين الله صراحة ، جهارا ، كما عهد من حال من اعتاد مثل ذلك .

وليُعلم أن كل شيء يسبح بحمد ربه ، حتى الجمادات ، قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء/ 44 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ ، وَهَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) قَالَ: " الْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ ، وَالشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ " والْأُسْطُوَانَةُ: السَّارِيَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ صَرِيرَ الْبَابِ تَسْبِيحُهُ ، وَخَرِيرَ الْمَاءِ تَسْبِيحُهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) .
وَقَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الطَّعَامُ يُسَبِّحُ.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ آيَةُ السَّجْدَةِ أَوَّلَ سُورَةِ الْحَجِّ ".
انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 79-80) .
وروى الدارمي (18) ، وابن حبان في "الثقات" (4/223) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ شَيْءٌ إِلا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إِلا عَاصِي الْجِنِّ وَالإِنْسِ ) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1718) .
سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
رجل يكتب على ورقة ، وفي أثناء الكتابة أخطأ في بعض الكلمات ، فانزعج كثيراً من ذلك ومن شدة غضبه سبَّ دين وسماء القلم والورقة ، فهل يعتبر سِباب دين القلم أو الورقة أو الحجر أو الشجر أو الكرسي أو الكأس أو....إلخ من هذه الأشياء، هل يعتبر كفراً؟
فأجاب :
" لا شك أن هذا السب حرام ، ولو قيل إِن القلم والورقة لا يدينان بالدين الذي هو العبادات ؛ لكن معلوم أن الدين واحد، وأن الله تعالى هو الذي سخر هذه الأقلام والأدوات ، ويسر استعمالها، فيخاف أن السب يرجع إلى الله تعالى، فعليه التوبة والاستغفار، وعدم العودة إلى مثل هذا " انتهى .
http://www.ibn-jebreen.com/books/6-67-3976-3579-.html

وللفائدة راجع الفتاوى رقم : ( 4250) ، ورقم : (65551) ، ورقم : (149118) ، ورقم : (202699).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب