الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تريد والدته من زوجته أن تكشف وجهها أمام أقاربه وزوجته ترفض ذلك

224810

تاريخ النشر : 30-03-2015

المشاهدات : 10013

السؤال


إني حديث عهد بزواج ، وزوجتي تحرص على النقاب ولا تُبدي وجهها لأحد من غير المحارم ، حتى أنها انتقبت يوم عرسنا ورفضت كشف وجهها لأحد من أقاربي من غير محارمها ، وما زالت مصرة على موقفها هذا حتى اليوم ، وهو ما أثار حفيظة والدتي التي تصر على أن تظهر زوجتي وجهها لجميع أفراد عائلتنا حتى يعرفوها . وقد ساندها في ذلك والدي أيضاً . إن أمي لا ترفض الحشمة بل تحبها وتحث عليها لكنها لا تستوعب فكرة تغطية الوجه . وبعد أشهر من الجدل بيني وبينها حول هذه القضية قالت لي لا بأس من أن تغطي وجهها لكن لا بد من كشفه ولو لمرة واحدة حتى يتعرف عليها جميع أفراد العائلة من الرجال غير المحارم ، أما زوجتي فترفض ذلك وترى أنها إن فعلت فإنها ستغضب الله تبارك وتعالى . وهذا ما جعل والدتي تبكي وتذكرني باستمرار بقصة جريج وكيف أن الله أحبط عمله حين لم يستمع لنداء أمّه وهو في صلاة ، فما بالك بقطعة قماش تضعها الزوجة على وجهها ! فإلى صف من أقف ، وكيف أرضي والدتي ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يجب على المرأة المسلمة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب عنها ، وهذا ما دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما زال ذلك عملا يتوارثه أهل الديانة ، والعفاف والصيانة ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريب من عصرنا هذا ، حتى أصابت المسلمين لوثة تقليد الغرب ، ورجعوا إلى فعل الجاهلية الذي نهاهم الله عنه بقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) الأحزاب/33 ، وقد سبق بيان أدلة ذلك في الفتوى رقم : (11774) .

ثانيا :
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن رزقك زوجة صاحبة دين ، تحرص على طاعة ربها ، وعليك أن تعينها على ذلك ، فأنت أول من يطالب بإعانتها على طاعة الله ، والوقوف في وجه من يريد منها أن تعصي الله .

ثالثا :
اعلم أن الشرع يؤكد على المرأة المسلمة أن تلبس الحجاب الكامل أمام أقارب زوجها ( كأخيه وعمه ) وأن لا تختلط بهم ، وإذا كان الواجب على المرأة المسلمة أن تلبس الحجاب الكامل أمام الرجال الأجانب ، فوجوب الحجاب عليها أمام أقارب زوجها أشد وآكد ، هكذا جاءت الشريعة ، تنبيها على إصلاح ومخالفة ما اعتاده كثير من الناس في ذلك ، من تساهل النساء أمام أقارب أزواجهن .
والحكمة من هذا ظاهره ، فإن الرجل الأجنبي الذي يراها مثلا في الطريق ، يراها مرة ثم ينصرف ، وقد لا يراها مرة أخرى ، وإذا قدر أنه رآها ، فإن فرص التواصل بينهما عادة ما تكون أصعب ، وفرصها أضيق .
وأما أقارب الزوج ، فيراها المرة بعد المرة ، ويحادثها ويجلس معها ... إلخ ؛ ولذلك قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ) . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : ( الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) رواه البخاري (5232) ، ومسلم (2172) .

قال النووي رحمه الله :
" وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَمو الْمَوْت ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكَر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ .
وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ . فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ . وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .

رابعا :
أما قولك عن والدتك : إنها تحب الحشمة .... إلخ .
فينبغي أن تعلم أن مفهوم (الحشمة) قد اختل عند كثير من الناس ، وخالف المفهوم الشرعي ، فالمرأة المحتشمة في الشرع هي التي تلبس الحجاب الكامل ، ولا تخالط الرجال ، ولا تتحدث معهم إلا بمقدار الحاجة فقط ، وتجلس في بيتها ، وليست كثيرة الخروج والدخول .
أما تحقير شأن الحجاب ووصفه بأنه قطعة قماش ! فهكذا الثياب التي تستر جسم الرجل والمرأة جميعا ، كلها قطعة قماش ، فهل يتبع العاقل كيد الشيطان ، وينزع عنه لباسه ، ويكشف عورته ، لأن الذي يغطيها قطعة قماش ؟!

خامسا :
أما تشبيه هذا بقصة جريج العابد ، فهو غير صحيح ، لأن جريجا لم تطلب منه أمه معصية لله ، غاية الأمر أنها نادته ، ولم يرد عليها ، أما أنت فوالدتك تدعوك أنت وزوجتك إلى معصية الله ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله ) رواه الإمام أحمد (1041) ، وهو حديث صحيح .
فمن أمر إنسانا بمعصية الله فلا طاعة له ، كائنا من كان ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا يحل لأحد أن يقدم رضا الناس على رضا الله ، أو يطلب رضاهم ، بما يسخط الله ، بل هذا حقا هو الذي يخشى منه أن يحبط العمل ، لا ما تقوله والدتك ؛ قال الله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" ( ذَلِكَ ) العذاب الذي استحقوه ونالوه ( بـ ) سبب ( أنهم اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ ) من كل كفر وفسوق وعصيان .
( وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ) فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم إليه ، ولا يدنيهم منه ، ( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) أي : أبطلها وأذهبها ، وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره سخطه ، فإنه سيكفر عنه سيئاته ، ويضاعف أجره وثوابه " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 789) .

مع التنبيه على أنه ليس في قصة جريج أن الله أحبط عمله ، بل فيها : أن الله تعالى استجاب دعاء أمه لما دعت عليه .
انظر : صحيح البخاري (2482) ، صحيح مسلم (2550) ، فتح الباري (6/480) .

وأخيرا ...
الواجب عليك أن تساند زوجك ، وتعينها على طاعة الله ، وتشجعها على الثبات على عمل الخير كله .
وفي الوقت ذاته عليك أن تتلطف بوالدتك وتحسن إليها غاية الإحسان ، وتبين لها أن هذا حكم شرعي لا مجال للتنازل عنه ، وأن الخير كل الخير في طاعة الله تعالى ، وأن الشر كل الشر في معصيته سبحانه . وأن تعوضها أنت وزوجك بحسن المعاملة ، وحسن الصحبة ، والإحسان إليها ، والتلطف معها بهدية ، وكلمة طيبة ، ونحو ذلك .

نسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب