الحمد لله.
أولا :
الخوارج إحدى الفرق الضالة التي لها اعتقاداتها المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة .
وبعض الناس يتساهل في إطلاق هذا اللقب (الخوارج) فيطلقه على من لا يستحقه ، وقد سبق في الفتوى : (224823) بيان أهم الفروق بين أهل السنة والخوارج .
وبدعة الخوارج : هي أول بدعة
حدثت في الإسلام ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ
، حَدَثَتَا فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ فَعَاقَبَ الطَّائِفَتَيْنِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/ 279) .
وقد اختلف العلماء في
تكفيرهم ، والذي عليه جمهور العلماء أنهم ليسوا كفارا ، بل قد نقل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله اتفاق الصحابة على عدم تكفيرهم . فقال رحمه الله : "وأصحاب الرسول
صلى الله عليه وسلم ، على بن أبي طالب وغيره : لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم ،
بل أول ما خرجوا عليه ، وتحيزوا بحروراء ، وخرجوا عن الطاعة والجماعة: قال لهم علي
بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا حقكم من
الفيء ) ، ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم ، فرجع نحو نصفهم ، ثم قاتل الباقي
وغلبهم ، ومع هذا لم يسب لهم ذرية ، ولا غنم لهم مالا ، ولا سار فيهم سيرة الصحابة
في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله ، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة
لسيرة الصحابة في أهل الردة ، ولم ينكر أحد على علي ذلك ، فعلم اتفاق الصحابة على
أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام" .
انتهى من " منهاج السنة النبوية " (5/241) .
وقال أيضا :
"ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج : أنهم كانوا يصلون خلفهم ، وكان عبد
الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري ، وكانوا أيضا
يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان عبد الله بن عباس
يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل ، وحديثه في البخاري ، وكما أجاب
نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة ، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر
المسلمان ، وما زالت سيرة المسلمين على هذا ، ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم
الصديق رضي الله عنه ، هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في
الأحاديث الصحيحة ، وما روي من أنهم ( شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتيل من
قتلوه) في الحديث الذي رواه أبو أمامة ، رواه الترمذي وغيره ، أي أنهم شر على
المسلمين من غيرهم ، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم ، لا اليهود ، ولا
النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين
وأموالهم ، وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم ، وبدعتهم
المضلة ، ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ، ولا
جعلوهم مرتدين ، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل ، بل اتقوا الله فيهم ، وساروا فيهم
السيرة العادلة " .
انتهى من " منهاج السنة النبوية " (5/247) .
وانظر الفتوى رقم : (182237) .
ثانيا :
روى ابن ماجة (173) ، وأحمد (19130) عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى : قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخَوَارِجُ كِلَابُ
النَّارِ ) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
ورواه الترمذي (3000) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه . وصححه الألباني في "صحيح
الترمذي" .
وأما معنى هذا الحديث ،
فيحتمل أن يكون على ظاهره ، وأن الخوارج يكونون في النار على صورة الكلاب ، ويحتمل
أنهم يكونون في النار ، على بعض صفات الكلاب ، أو وجوه الشبه بهم .
قال القاري رحمه الله :
"أَيْ هُمْ كِلَابُ أَهْلِهَا، أَوْ عَلَى صُورَةِ كِلَابٍ فِيهَا " انتهى من
"مرقاة المفاتيح" (6/ 2323) .
وقال المناوي رحمه الله :
" أي أنهم يتعاوون فيها عواء الكلاب ، أو أنهم أخس أهلها ، وأحقرهم ، كما أن الكلاب
أخس الحيوانات وأحقرها " انتهى من " فيض القدير" (1/ 528) .
والحكمة من عقابهم بهذا
العقاب : أنهم كانوا في الدنيا كلابا على المسلمين ، فيكفرونهم ويعتدون عليهم
ويقتلونهم ، فعوقبوا من جنس أعمالهم ، فصاروا كلابا في الآخرة .
انظر : " فيض القدير" (3/ 509) .
ثالثا :
أما تفسير كونهم كلاب النار بأنهم مجوس هذه الأمة : فتفسير غير صحيح ، ومجوس الأمة
هم القدرية الذين ينفون أن الله تعالى قَدَّر مقادير الخلائق ، كما ورد به الأثر ،
واشتهر تلقيبهم بذلك عند أهل العلم .
روى أبو داود (4691) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) وحسنه الألباني في
"صحيح أبي داود" ، لكن الأظهر فيه أنه من رواية أبي حازم المدني ، عن ابن عمر ،
وأبو حازم لم يسمع من ابن عمر ؛ فهو منقطع ، كما ذكر الحافظ ابن حجر وغيره . ينظر :
" إتحاف المهرة" (8/364) ، " النقد الصحيح" للعلائي (29) .
قال الإمام الدارقطني ، رحمه الله : " والصحيح الموقوف ، عَن ابن عُمر" .
انتهى من "العلل" (7/102) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه
الله :
من هم مجوس هذه الأمة ؟
فأجاب :
" هم القدرية النفاة ، الذين نفوا القدر ..... فإن المجوس يقولون: إن للعباد إلهين
، النور والظلمة، ويقولون : النور خلق الخير ، والظلمة خلقت الشر، فشابههم نفاة
القدر، حيث جعلوا لله شريكا في أفعالهم ، وأنهم يخلقون أفعالهم ، نسأل الله
العافية. ونصيحتي لكل المسلمين ألا يخوضوا فيه ، بل يؤمنون بالقدر ولا يخوضوا في
ذلك خوض المبتدعة بل يؤمنون بذلك ويسلمون لذلك ، ويعلمون أن الله قدر الأشياء ،
وعلمها وأحصاها وأن العبد له مشيئة ، وله إرادة وله اختيار لكنه لا يخرج بذلك عما
قدره الله سبحانه وتعالى " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 230) .
وقد روى ابن أبي عاصم في
كتاب " السنة " (341) حديثاً أن فيه وصف القدرية المجوس بأنهم كلاب أهل النار ، غير
أنه حديث ضعيف لا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال الألباني : ضعيف جدا .
فمن فسر حديث : (الخوارج
كلاب النار) على أنهم مجوس الأمة فقد أخطأ وتكلم في دين الله بغير علم ، وعليه
التوبة من ذلك .
وتراجع إجابة السؤال رقم : (21018) لمعرفة
خطورة التسرع في الفتوى ، والكلام في الدين بغير علم .
والله تعالى اعلم .
تعليق