الحمد لله.
أولا :
جاء الإسلام ليحفظ للمرأة كرامتها وعرضها ، وشرع لها من الأحكام ما يحافظ على ذلك ، إذ الأصل للمرأة أن تقر في بيتها ، ولا تخرج منه ، ولا تتحدث مع أجنبي عنها إلا لحاجة ؛ قال تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) الأحزاب/ ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (273) .
وقد حذرنا ديننا العظيم أشد
تحذير من إقامة العلاقات بين الجنسين خارج نطاق الزواج ، وأصول الشرع ومقاصده : قد
أوصدت الباب بشدة أمام مصيبة برامج التعارف التي ذاعت وانتشرت ، عبر الصحف والمجلات
وشبكة الإنترنت ، وما ذلك إلا درءاً للفتنة ، ومنعاً لحوادث العشق والغرام التي
تؤول بأصحابها غالباً إلى الفواحش الخطيرة ، وانتهاك حرمات الله -والعياذ بالله- ،
أو تؤدي إلى زيجات فاشلة محفوفة بالشك وفقدان الثقة .
وأنت – يا أمة الله ، هداك الله – قد أخطأت ، بل أجرمت في حق ربك ، ودينك ، ونفسك ؛
أخطأت من أول أمرك حين تعرفت عليه عبر الإنترنت ، وهذا التعارف هو الخطوة الأولى من
خطوات الشيطان التي أوقعتك في كبيرة من كبائر الذنوب ، حتى كان من أمركما ما كان ،
نسأل الله العظيم أن يهديكما إلى صراطه المستقيم ، ويتوب عليكما توبة نصوحا .
ثانياً :
احذري ، يا أمة الله ، أن تزيدي الطين بلة ، وتزيدي إلى ما كان منك ، جريمة أخرى ،
حين تصرين على استمرار العلاقة مع هذا الشاب بحجة الزواج منه ، فهذا خداع وتزيين من
الشيطان ؛ فالشاب الذي ظل طوال هذه المدة يقيم علاقة محرمة مع فتاة أجنبية ، هو في
الواقع شابٌّ يفتقد الوازع الديني والحياء والأدب ، ومثل هذا لا يصلح أن يكون زوجا
ومسئولا عن أسرة إلا أن يتوب ويرجع إلى الله .
وهذا الشاب الذي يعلم منك أنك تكذبين ، وقد وقع بينكما ما وقع ، وكان منكما ما كان
؛ هل تتصورين أنه سيثق بيك يوما من الدهر ، أو سيختارك زوجة لنفسه ، وقرينة لحياته
؟
مثل هذه العلاقة ، يا أمة
الله ، لا يمكن أن تنتهي بالزواج ، كما هو معلوم من تجارب الناس ، فقد نال هذا
الشاب منك ما يريد ، ولا يزال – فأنت اللعبة التي يتسلى بها – فإذا جاء وقت الزواج
، فسيبحث عن فتاة أخرى لا تعرف عن ماضيه السيء شيئا ، ليبدأ معها حياته الجديدة ؛
أما أنت فلا تصلحين في نظره إلا للتسلية المؤقتة ، ولا تصلحين أن تكوني زوجة وأما ،
هكذا سوف ينظر إليك . وقديما قال الناصحون :
أول من تهون الزَّانِيَة فِي عينه الَّذِي يَزْنِي بهَا !!
دعك من الكلام المعسول الذي
قد يقوله لك ، فهذا شيء من لوازم التسلية والخداع ، وما نقوله لك هو الحقيقة التي
يعرفها الجميع ، إلا الفتاة التي وقعت ضحية لهذا الخداع .
فالفتاة التي تتعرف على شاب عن طريق النت ، وتعطيه كل شيء ، وهو يتهمها بالكذب –
كما تذكرين أنت – لن تكون مأمونة عنده أن تسعى لتكرار هذه العلاقة مع غيره .
ثالثا :
يا أمة الله ، لقد وقعت مع هذا الشاب فيما وقعت فيه ، ومن شؤم تلك المعصية (أو
المعاصي) أنها أوقعتك في عقوق الوالدين ، ومقاطعة أختك وسوء العلاقة مع أهلك ...
وهذه كبائر لا تقل عما تفعلينه معه من محرمات ، بل هذه أعظم ، فإن العاق لوالديه لا
يدخل الجنة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
رغم كل ما في رسالتك من آلام
، إلا أنه سرنا ما فيها من تفكيرك في الآخرة ، وإرادتك إدخال السرور على أهلك ،
فذلك يدل على بقية من الخير لا تزال معك .
نعلم أنك تعيشين صراعا داخليا ، فلست سعيدة في علاقتك مع هذا الشاب ، بل تعيشين معه
مجموعة من الآلام والمعاناة : تلك المعصية التي تمارسينها معه ، عدم ثقته فيك ،
مقاطعتك لأهلك بسببه كل ذلك جدير بأن يحرمك السعادة والاطمئنان .
ولذلك ليس أمامك خياران ، بل هو خيار واحد فقط ، إذا أردت أن تفوزي بالآخرة ، وبرضا
والديك وبرهما ، وهو التوبة الصادقة مما وقعت فيه ، وذلك بقطع العلاقة نهائيا مع
هذا الشاب .
والاعتذار لوالديك وطلب العفو منهما ، ولابد من مغادرة تلك المدينة التي تقيمين
فيها فورا ، مهما كلفك ذلك ، ولابد لك من العودة إلى والديك ، وبداية حياة جديدة
نظيفة ، والله تعالى يفرح بتوبة عبده التائب ويعينه عليها .
وأما ما ذكرت من خوفك من عدم الزواج في المستقبل ، فهذا من سوء الظن بما عند الله من خزائن الرزق والفضل ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 .
فإذا تبت وقطعت علاقتك بهذا الشاب ، وحرصت على بر الوالدين ، وحسن العلاقة مع أختك ، فإننا نرجو من الله الكريم ، الرحمن الرحيم ، أن يجعل الله لك مخرجا من هذه الورطة ، ويرزقك بالزوج الصالح ، وبالحياة الطيبة من حيث لا تحتسبين .
ولنفترض أنه قد صدق ما
تقولين ، ولنفترض أنك بقيت دهرك كله من غير زوج ، وهذا ما لا نرجوه ولا نظنه ، إن
شاء الله ؛ لكن : أليس رضا الله ، وطلب ما عنده يستحق منك بذل الثمن في طلبه ؟
أليس رضا أسرتك ، أليس العيش المحترم ، كما يعيش الناس المحترمون ، مما يوجب منك أن
تضحي له برغبة طارئة ، أو نزوة جامحة ؟!
هل يحتاج هذا منك قرارا ؟ وهل هناك موازنة أصلا ؟
هل هناك موازنة بين : الظلمات والنور ، والظل والحرور ؟
هل هناك موازنة بين طهارة العفة والتوبة ، ونجاسة المعصية والفواحش ؟
نرجو أن نكون قد ساعدناك على
اتخاذ ذلك القرار ، وهو قرار لا خيار لك فيه ، في واقع الأمر.
نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة وأن يتقبل منك .
والله أعلم .
تعليق