الحمد لله.
أولا :
طلب الهداية للنفس أو للغير , من أحسن الأدعية ؛ وذلك لأن الإنسان يحتاج للهداية في كل مراحل حياته جملة وتفصيلاً إلى أن يدخل الجنة ؛ ولذلك نطلبها في الصلاة جماعة أو منفردين في كل ركعة حين نقول في قراءة الفاتحة : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية لعلي بن أبي طالب , وناهيك به هداية واستقامة رضي الله عنه .
فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ ، وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ . قَالَ : فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ " رواه ابن ماجه (2310) ، وصححه الألباني رحمه الله .
ودعا أيضا لأم أبي هريرة
بالهداية ، وقد كانت كافرة ، فأسلمت رضي الله عنها .
ودعا لأقوام آخرين على وجه العموم في وقائع متعددة ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان .
ثانيا :
أما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، فقد حصل فيه لبس من القائل المذكور ،
أو من السائل ؛ وذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قد كان يتكلم عن أقوام
ممن لهم قصد في غيبة المسلمين ، وهتك أعراضهم ، غير أنهم لا يذكرون ذلك صريحا ،
وإنما يتحيلون إليه بحيل شتى ، ويظهرونه في لباس الدين ، وهو من الفجور ، وتعدي
الحرمات ، وانتهاك الأعراض .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله
:
" ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى :
تارة في قالب ديانة وصلاح ، فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ، ولا أحب
الغيبة ولا الكذب ؛ وإنما أخبركم بأحواله .
ويقول : والله إنه مسكين ، أو رجل جيد ؛ ولكن فيه كيت وكيت .
وربما يقول : دعونا منه ، الله يغفر لنا وله ؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه .
ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة ، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا !!
وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/237)
.
وهذا المعنى : واضح لا لبس فيه ، ولا إشكال ، ولا علاقة لمثل ذلك : بالدعاء لمسلم بالهداية ، أو نحو ذلك ؛ إنما يتحدث عن المقاصد الخبيثة ، التي يخرجها أصحابها في زي الديانة والرقة للمسلمين .
قال أبو حامد الغزالي رحمه
الله :
" وأخبث أنواع الغيبة : غيبة القراء المرائين ؛ فإنهم يُفْهِمون المقصود ، على صيغة
أهل الصلاح ، ليُظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ، ويُفهمون المقصود ، ولا يدرون
بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين : الغيبة ، والرياء .
وذلك : مثل أن يذكر عنده إنسان ، فيقول : ... سَاءَنِي مَا جَرَى عَلَى صَدِيقِنَا
من الاستخفاف به ، نسأل الله أن يروح نفسه !! فيكون كاذباً في دعوى الاغتمام ، وفي
إظهار الدعاء له ؛ بل لو قصد الدعاء لأخفاه في خلوته ، عقيب صلاته ، ولو كان يغتم
به ، لاغتم أيضاً بِإِظْهَارِ مَا يَكْرَهُهُ .
وَكَذَلِكَ يَقُولُ : ذَلِكَ الْمِسْكِينُ قَدْ بُلِيَ بِآفَةٍ عَظِيمَةٍ ، تَابَ
اللَّهُ عَلَيْنَا وعليه !!
فهو فِي كُلِّ ذَلِكَ : يُظْهِرُ الدُّعَاءَ ؛ وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى خُبْثِ
ضَمِيرِهِ ، وَخَفِيِّ قَصْدِهِ . وَهُوَ ـ لِجَهْلِهِ ـ لا يدري أنه قد تعرض لمقت
أعظم مما تعرض له الجهال إذا جاهروا " انتهى من " إحياء علوم الدين " (3/145) .
ويقول ابن الجوزي رحمه الله
:
" وأما منبع الغيبة من القراء والنساك : فمن طريق التعجب ؛ يبدي عُوار الأخ ، ثم
يتصنع بالدعاء في ظهر الغيب . فيتمكن من لحم أخيه المسلم ، ثم يتزين بالدعاء له !!
وأما منبع الغيبة من الرؤساء والأساتذة : فمن طريق إبداء الرحمة والشفقة ؛ حتى يقول
: مسكينٌ فلان ؛ ابتُلِي بكذا ، وامتُحِن بكذا ، نعوذ بالله من الخذلان !! فيتصنع
بإبداء الرحمة والشفقة على أخيه ، ثم يتصنع بالدعاء له عند إخوانه ، ويقول : إنما
أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم له !!
ونعوذ بالله من الغيبة ، تعريضا أو تصريحا ؛ فاتق الغيبة ، فقد نطق القرآن بكراهتها
، فقال عز وجل : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ ) وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك
أخبار كثيرة " انتهى من " تلبيس إبليس " (ص 106) .
والله أعلم .
تعليق