الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

معارضة الوالدين ابنهما في امتثاله بعض السنن

السؤال

ماذا لو عارض الوالدان بعض السنن دونما سبب وجيه ، كاللحية مثلاً ، وأمرا ابنهما بحلقها ، مستدلين بأن المذهب الشافعي يرى الكراهة لا التحريم ، وأن المبالغة في إطلاق اللحية فيه شيء من التشدد والتطرف . فهل تجب طاعتهما في هذه الحالة ، أم الإعراض عنهما على اعتبار أنه لا طاعة لهما في مثل هذه الأمور ؟

الجواب

الحمد لله.

الأصل أنه ليس من حق الوالدين الاعتراض على ولدهما في امتثال السنن والآداب النبوية الشريفة ، سواء تعلقت تلك السنن بحق الله والعبادات أم بالمعاملات والأخلاق والآداب ، فالنصوص الشرعية التي تأمر ببر الوالدين مبنية على طلب الإحسان إليهما ، ورعايتهما ، والقيام على شؤونهما ، وتجنب إيذائهما ولو بالحرف والكلمة ، وليس في شيء منها أمر الابن بتنفيذ أمرهما خارج هذا الإطار ، كما ليس في شيء منها تقديم طاعتهما على طاعة الله ورسوله .
يقول الإمام السرخسي رحمه الله :
" وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد ، لتجارة ، أو حج ، أو عمرة ، فكره ذلك أبواه ، وهو لا يخاف عليهما الضيعة ، فلا بأس بأن يخرج ؛ لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة ، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة ، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا .
إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه ، نحو ركوب البحر ، فحينئذ حكم هذا ، وحكم الخروج إلى الجهاد سواء ؛ لأن خطر الهلاك فيه أظهر .
والسفر على قصد التعلم إذا كان الطريق آمنا ، والأمن في الموضع الذي قصده ظاهرا ، لا يكون دون السفر للتجارة ، بل هذا فوقه ؛ لقوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) [التوبة: 122] . فلا بأس بأن يخرج إليه وإن كره الوالدان ، إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما " انتهى من " شرح السير الكبير " (196-197)
وقال الشيخ أبو بكر الطرطوشي في كتاب " بر الوالدين " :
" لا طاعة لهما في ترك سنة راتبة ، كحضور الجماعات ، وترك ركعتي الفجر ، والوتر ، ونحو ذلك ، إذا سألاه ترك ذلك على الدوام .
بخلاف ما لو دعواه لأول وقت الصلاة وجبت طاعتهما ، وإن فاتته فضيلة أول الوقت " .
انتهى نقلا عن " الموسوعة الفقهية الكويتية " (8/71) .
وقد سبق تقرير كلام الفقهاء في هذا الباب ، وبيان ضابط طاعة الوالدين الواجبة بشيء من التفصيل ، وذلك في الفتاوى رقم : (1176) ، (1185) ، (40283) ، (98382) ، (101105) ، (166428) ، (174831) .

ومع ذلك فالواجب على الولد الاعتذار من والديه بالكلمة الطيبة ، والأسلوب الحسن ، والحوار المؤدب ، كي يسلم من شقاق أكبر لا قدر الله ، وهو في جميع ذلك يؤكد لوالديه فضيلة السنة النبوية والآداب الشرعية ، ويعوضهم عن عدم طاعته بخدمة خاصة ، أو هدية ثمينة ، أو تضحية في موقف آخر ، كي يسترضي خاطرهما .
وسواء كان حلق اللحية حراما أو مكروها فليس للوالدين ولا لغيرهما أن يأمر بخلاف أمر الله ورسوله ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية في أكثر من حديث .
ويستثنى من هذا : إذا كان إعفاء اللحية في إحدى البلاد سببا مباشرا للتعرض للأذى والخطر ، في غالب الأحوال ؛ ففي هذه الحالة ننصحه باستماع طلب والديه رحمةً بهما ، وإشفاقاً عليهما ، حتى لا ينزل به مكروه فيشق ذلك عليهما .
وللاطلاع على حكم اللحية يرجى النظر في الأرقام الآتية : (100909) ، (219947) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب