الحمد لله.
لم نقف على هذا النص من قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، وإن كان بعض الناس قد نسب هذه المقالة إليه ، ويعزون ذلك إلى ما رواه عنه حرب الكرماني في عقيدته المشهورة " معتقد أهل السنة والجماعة " ، وليست في كتاب حرب كما ذكروا .
ولا غرابة في هذا القول سواء كان صادرا من الإمام أحمد أو من غيره ؛ لأنه حق وواقع ، فلم يزل أهل الإرجاء يرمون أهل السنة بأنهم خوارج منذ زمن بعيد إلى اليوم ؛ لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم .
كما أن الخوارج يرمون أهل السنة والجماعة بالإرجاء ؛ ويبدعونهم ، ويكفرونهم ،
كما نقله حرب الكرماني في عقيدته (ص 109) عن الإمام أحمد : " وأما الخوارج فإنهم
يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة ، وكذبت الخوارج ، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على
إيمان - دون الناس - ومن خالفهم كفار " انتهى .
ولعل السامع قد سمع بهذه العبارة المنقولة ، فانقلبت عليه ، فنقلها على نحو ما جاء
في السؤال.
وفي هذه العقيدة أيضا : " وأما المرجئة : فإنهم يسمون أهل السنة شُكَّاكا ؛
وكذبت المرجئة ؛ بل هم بالشك أولى ، وبالتكذيب أشبه " انتهى ، ينظر : "طبقات
الحنابلة" لأبي يعلى (1/35) .
وإنما افترى المرجئة ذلك لقول أهل السنة بمشروعية قول : أنا مؤمن إن شاء الله ، وهو
ما يعرف بالاستثناء في الإيمان .
وينظر جواب السؤال رقم : (2689) .
والحاصل : أن أهل السنة وسط بين ملل أهل الإسلام ، فهم في باب الإيمان وسط بين
الخوارج والمرجئة ، كما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وسط بين تفريط اليهود
وإفراط النصارى ، وكثيرا ما يكون الحق وسطاً بين باطلين .
قال ابن تيمية رحمه الله : " الإسلام وسط في الملل بين الأطراف المتجاذبة ، والسنة
في الإسلام كالإسلام في الملل " انتهى من ” الصفدية " (2/ 310) .
وقال عن أهل السنة : إنهم " في باب الأسماء والأحكام بين من أخرج أهل المعاصي من
الإيمان بالكلية كالخوارج وأهل المنزلة [يعني المعتزلة] ، وبين من جعل إيمان الفساق
كإيمان الأنبياء والصديقين كالمرجئة " انتهى من " جامع المسائل " (3/ 90) .
وإذا كان أهل السنة وسطا بين هاتين الفرقتين الضالتين ، فلابد أن ينالهم من كلا
الطرفَين ما ينالهم ، ولن يضيرهم ذلك بإذن الله ، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ ) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله " أي : اجتهدوا في إصلاحها وكمالها ، وإلزامها سلوك
الصراط المستقيم ، فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم ، ولم يهتد
إلى الدين القويم ، وإنما يضر نفسه " انتهى من " تفسير السعدي " (1/246) .
وينظر جواب السؤال رقم : (175217) .
والله أعلم .
تعليق