الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يشترط للطواف نية خاصة ؟

السؤال

حججت مقلدة منذ سنوات أي لم أكن أحفظ جميع المناسك وترتيبها ، وقد أنعم الله علي بعمرة قبل الحج ، وأذكر أننا بدانا الطواف في الطابق العلوي ، وكنت أنا أتبع أهلي ، وأقلدهم ، ولم أدرك أننا بدأنا الطواف من أول لحظة أي أني شرعت بالمنسك دون أن أدرك ولبرهة ظننت أننا لازلنا نمشي وسط الزحام فهل يؤثر ذلك على صحة العبادة أم هو وسواس ؟

الجواب

الحمد لله.

لا يشترط للطواف أو السعي أو غيرهما من مناسك الحج نية خاصة ، بل يكفي في ذلك النية العامة ، وهي نية الحج أو العمرة عند الإحرام .
قال الحافظ جلال الدين السيوطي :
" الْعِبَادَات ذَات الْأَفْعَال يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلهَا ، وَلَا يُحْتَاج إلَيْهَا فِي كُلّ فِعْل ، اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاة ، وَكَذَا الْحَجّ ، فَلَا يُحْتَاج إلَى إفْرَاد الطَّوَافِ وَالسَّعْي وَالْوُقُوفِ بِنِيَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ " انتهى من "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 27) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى - :
" اعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاء وَأَصَحَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ: أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَكْفِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ ، وَالسَّعْيِ ، وَالرَّمْيِ ، كُلُّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ ، لِأَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ بِالْحَجِّ تَشْمَلُ جَمِيعَهَا ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَدَلِيلُهُ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا ، فَكَمَا لَا يَحْتَاجُ كُلُّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ لَا تَحْتَاجُ أَفْعَالُ الْحَجِّ لِنِيَّةٍ تَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، لِشُمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لِجَمِيعِهَا.
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِذَلِكَ : أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ .
وَمُقَابِلُ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِفِعْلٍ كَالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالرَّمْيِ، فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى نِيَّةٍ، وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِفِعْلٍ بَلْ هُوَ لُبْثٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ فَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ.
وَالثَّانِي مِنْهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ إِلَى نِيَّةٍ إِلَّا الطَّوَافَ، لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ.
وَأَظْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ".
انتهى من "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (4/ 414) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - :
" هذه مسألة مهمة النية تكون عند أول فعل العبادة ، ويستحب أن تكون على ذكر منها تذكرها في كل أجزاء الصلاة هذا هو الأفضل لتكون النية مقارنة للعمل في كل جزء منه هذا هو الأفضل ، فإن غابت عنك في أثناء الصلاة هل يضرك هذا أو لا؟ لا، لا يضرك أنت على نيتك الأولى ...
ومن هنا أخذ كثير من العلماء ومنهم الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله أنه لا يشترط نية الطواف ولا نية السعي ؛ لأن الطواف والسعي جزء من العبادة ، فكما أنك لا تنوي الركوع في الصلاة ولا السجود بل تكفي النية العامة للصلاة ، فكذلك الطواف والسعي وسائر أجزاء العبادة أنت من حين ما قلت لبيك عمرة عند الميقات فإنك قد نويت كل أفعال العمرة .
وهذا أيضاً فيه سعة للناس ، كثير من الناس ولا سيما في أيام الزحام يدخل البيت الحرام ويشرع في الطواف ويغيب عن ذهنه أنه نوى طواف العمرة أو أي طواف كان ، فإذا قلنا أن الطواف والسعي بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة وأن النية العامة تشملهما صار في ذلك سعة للناس وتسهيلاً ، وهو قول كثير من أهل العلم ، وهو الذي نختاره ؛ لأن الحقيقة أن كثيراً من الناس يندهش ولا سيما إذا رأى كثرة الناس فيدخل بنية الطواف ولا يشعر بأنه للحج أو للعمرة ولكن الطواف سينويه لأنه جاء ليطوف فيطوف ".
انتهى من "تعليقات الشيخ على الكافي"(1/ 348، بترقيم الشاملة آليا).
وبناء على ما سبق: فطوافك صحيح ولا يلزمك شيء .
وإذا كان الذي حصل لك إنما هو شك بعد الفراغ من العبادة ، فلا يلتفت لهذا الشك ؛ لأن الشك بعد أداء العبادة لا عبرة به ، وهو من وساوس الشيطان .
ينظر جواب السؤال رقم : (67728) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب