الحمد لله.
الزعفران نبات له استعمالات كثيرة ، فهو من التوابل التي تضيف نكهة طيبة للطعام ، ويستعمل صبغاً للثياب ، يجعلها ذات لون أصفر زاهي ، وله رائحة طيبة ، ولذلك يستعمل طيباً.
ينظر: "المعجم الوسيط" (1/394) ، "الموسوعة العربية العالمية" (زعفران).
والتطيب بالزعفران - حالياً - له صورتان :
الأولى :
أن يدهن به الرجل جسمه ، كما تفعل النساء ، حتى يظهر لون الزعفران ورائحته عليه.
وهذا محرم لما فيه من التشبه بالنساء ، والتطيب بطيبهن الخاص ، ولما ورد من النهي عنه.
روى البخاري في " صحيحه " (5846) ، ومسلم في " صحيحه" (2101) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ).
قال الترمذي : " وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ : أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ ، يَعْنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ بِهِ " .
انتهى من "سنن الترمذي" (4/418) .
وقال الإمام الشافعي: " وَنَنْهَى الرَّجُلَ حَلَالًا ، بِكُلِّ حَالٍ ، أَنْ يَتَزَعْفَرَ، وَنَأْمُرُهُ إِذَا تَزَعْفرَ أَنْ يَغْسِلَ الزَّعْفَرَانَ عَنْهُ " انتهى من "معرفة السنن والآثار" (2/455).
وقال ابن هبيرة : " في هذا الحديث من الفقه : أن الزعفران هو من طيب النساء ؛ وليس من طيب الرجال ". انتهى من "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/ 261) .
و"قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما نهيه أن يتزعفر الرجل : فالمراد به أن يُخَلِّق بَدَنَه بالزعفران [أي : يتطيب به ، والخلوق هو طيب مركب فيه زعفران] ، فإن طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه ". انتهى من "شرح عمدة الفقه" (ص: 383) . وانظر " تاج العروس "(25/260) .
وقال المباركفوري : " وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلُهُ : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ) : هُوَ النَّهْيُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الزَّعْفَرَانِ مُطْلَقًا ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، وَفِي الْبَدَنِ كَانَ أَوْ فِي الثوب " انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/82) .
وقد ورد النهي أيضاً عن لبس الثياب المزعفرة ، ينظر جواب السؤال : (72878) .
الثانية :
أن يُستخلَص من الزعفران رائحته فقط ، ويخلط مع غيره من الزيوت ، كما يفعل العطارون اليوم .
فلا بأس بذلك ؛ لأن النهي عن التطيب بالزعفران : إنما كان لأجل لونه ، لا لريحه ، والرائحة هي الأصل في طيب الرجال ، دون اللون ، كما ورد عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (...أَلَا وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لَا لَوْنَ لَهُ ، أَلَا وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لَا رِيحَ لَهُ). رواه أبو داود (4048) وصححه الألباني.
قال النووي : " وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلَوْنِهِ لَا لِرِيحِهِ ، فَإِنَّ رِيحَ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ مَحْبُوبٌ " .
انتهى من "المجموع شرح المهذب" (1/295) .
وفي "الحاوي للفتاوي" للسيوطى (1/74) : " قال النووي : علة النهي [ يعني عن التزعفر] اللون لا الرائحة ".
وقال ابن الجوزي : " التزعفر: التضمخ بالزعفران ، واستعماله فيما يظهر على الرجال" .
انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 271)
والأحاديث الواردة في النهي عن تزعفر الرجل : محمولة على تلطيخ الجسم به ، لوناً ورائحةً ، كما هي عادة النساء.
ثم إن هذه الروائح المستخلصة من أزهار الزعفران والتي امتزجت بغيرها من الدهون قد خرجت عن مسمى الزعفران المقصود في أحاديث النهي.
والله أعلم .
تعليق