الحمد لله.
أولا :
كل صفة جسدية في المرأة أو في الرجل ينفر منها الطرف الآخر عادةً ، ويفوت بسببها كمال الاستمتاع ، وتزيل المودة والرحمة بين الزوج والزوجة عادةً : فهي عيب .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال : (75405) ، (111980) .
وما حكم عليه بأنه عيب ، فإنه يجب أن يظهر عند العقد ولا يخفى حتى لا يكون هناك غش وعدم نصح .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على البائع كتمان عيب سلعته ، وحرَّم على من علمه أن يكتمه من المشتري ، فكيف بالعيوب في النكاح ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية أو أبي الجهم : ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب " .
انتهى من "زاد المعاد" (5/168–169) .
ثانيا :
نص العلماء على أن البرص عيب يجب بيانه ويوجب الخيار في فسخ النكاح للطرف الثاني إذا كُتم عنه .
وأما البهاق ، فهو يختلف عن البرص .
قال الماوردي رحمه الله تعالى : " البرص : وهو حدوث بياض في الجلد يذهب معه دم الجلد وما تحته من اللحم ، وفيه عدوى إلى النسل والمخالطين ، وتعافه النفوس ، وتنفر منه فلا يكمل معه الاستمتاع ...
فأما البهق : فيغير لون الجلد ، ولا يذهب بدمه ، ويزول ، ولا تنفر منه النفوس ، فلا خيار فيه " انتهى من "الحاوي الكبير" (9/342) .
وقال العدوي في "حاشيته" (5/257) بعد أن قرر ثبوت الخيار بالبرص : "وَلَا خِيَارَ بِالْبَهَقِ". انتهى
وذكر النووي في " روضة الطالبين " (7/176) أن البهق لا يلحق بالبرص .
إلا أن واقع الناس اليوم يختلف ، ففي كثير من المجتمعات يعدّ البهاق عيباً ، وينفر الرجل عادة من المرأة المصابة به ، ولو تمّ الزواج دون علم الزوج به ؛ فإنه بعد العلم سيشعر بأنه قد خدع وتعرض للغش ، فربما آذى الزوجة أو عيرها بذلك ، وربما عاش موسوسا خائفا من اتساع هذه البقع الصغيرة وانتشارها في باقي الجسم أو انتقال المرض إلى الأولاد ، ولا شك أن هذا يذهب المودة والرحمة المقصودة من الزواج ، ويحل مكانه النفور ، ولا يحصل كمال الاستمتاع بينهما .
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" هل البهاق اليسير من عيوب النكاح ؟ يعني : لو وجد الرجل في زوجته بهاقاً فهل يعد عيبا ؟
فأجاب :
" نعم ، هو عيب لا شك ؛ لأن الإنسان ينفر من هذا ، ولا يمكن أن يركن إلى زوجته إلا أن يشاء الله ، وهو عيب سواء في الرجل أو في المرأة ، حتى الرجل لو كان به بهاق ، وتزوجت المرأة منه غير عالمة به ؛ فإنه عيب لها أن تفسخ النكاح به ...
وأما من جهة الإثم فالرجل يأثم والمرأة تأثم إذا كان فيهما هذا العيب أو غيره من العيوب التي تمنع كمال الاستمتاع ولم يخبر صاحبه ، فإن كتمانه لا شك أنه محرم ، وهو من الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " ( 39 / 10 ، ترقيم الشاملة ) .
والأقرب في هذا المسألة :
أنها مما يرجع فيه إلى عرف وعادة كلِّ مجتمع ، فالمجتمعات تختلف في نظرتها لهذا المرض ، فمنهم من يعده عيباً منفراً ، ومنهم من لا يعده كذلك .
وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى فقال:
" إذا كان البهاق في العرف الاجتماعي يعد عيباً : فيجب بيانه ويحرم كتمانه ، وإذا كان عرفاً لا يعد عيباً : فلا يلزم بيانه ". انتهى .
والحاصل :
أنه إذا كان هذا القدر من البهاق في عرفكم الاجتماعي يعد عيباً ينفر الناس منه
فيلزمك بيانه وإخبار الخاطب به ، فهذا خير لك وللخاطب ، وعليك أيتها الأخت بالصبر والتوكل على الله تعالى ، وسيجعل الله بعد عسر يسرا .
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويزيل همك .
والله أعلم .
تعليق