الحمد لله.
أولا :
ميل الرجل للمرأة والعكس ، هو مما جبل الله عليه الناس ليتحقق استمرار جنس الإنسان في الأرض ولا ينقطع إلى أن يشاء الله تعالى ، وليتحقق السكون والألفة داخل الأسرة .
قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )الروم/21 .
ولا يلام الرجل على ميله لجنس النساء .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وأما محبّة النِّسْوان فلا لوم على المحِبّ فيها ، بل هي من كماله " .
انتهى من " الداء والدواء " ( ص552 ) .
ويدل على أن هذا الميل من صفات الكمال للرجل .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ) رواه النسائي ( 3940 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " ( 3940 ) .
وإذا تعلق قلب الرجل بامرأة أجنبية منه خارج إطار الزواج فقد يصعب عليه تخليص القلب من ذلك ، ولهذا جاء الشرع بالابتعاد عما يؤدي إلى هذا التعلق وقطع أسباب قبل وقوعه .
فالعشق والتعلق لا يولد في القلب غالبا إلا بسبب إطلاق البصر وعدم غضه عن المحرمات ، ومزاولة الشخص لما يقوي هذا العشق من غناء محرم ومطالعات أو مشاهدات أو تفكيرات تثيره ، وتمكنّه في القلب ، خاصة إذا كان قلبه ضعيفا ، خاليا من ذكر الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف ، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري ، فإذا أتى بالأسباب ، كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره ...
وهذا بمنزلة السكر من شرب الخمر ، فإن تناول المسكر اختياري ، وما يتولد عنه من السكر اضطراري ، فمتى كان السبب واقعا باختياره ، لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره ، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكران معذورا .
ولا ريب أن متابعة النظر ، واستدامة الفكر ، بمنزلة شرب المسكر ، فهو يلام على السبب "انتهى من " روضة المحبين " ( ص 225 ) .
نعم ؛ في بعض الأحيان يكون الشخص معذورا ، وغير ملوم على ما وقع في قلبه من الميل والعشق ؛ وذلك إذا حدث بلا تسبب محرم من العاشق كأن يتولد الميل بنظر الفجأة مثلا ، أو أن يكون العاشق قد تزوج امرأة ، وأحبها لكنها لم ترغب فيه وسعت في الطلاق منه حتى تطلقت ، فبقي قلبه متعلقاً بها ، فهذا معذور .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور ؛ لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته ، أو جاريته ، ثم فارقها ، وبقي عشقها غير مفارق له ، فهذا لا يلام على ذلك ...
وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ، ثم صرف بصره ، وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته ، وصرفه عن قلبه بضده ، فإذا جاء أمر يغلبه ؛ فهناك لا يلام بعد بذل الجهد في دفعه " انتهى من " روضة المحبين " ( 225 - 226 ) .
ثانيا :
متى ما وقع في قلب الرجل شيء من الميل لامرأة معينة ؛ فالحل الصحيح أن يتقدم لخطبتها إذا كان ذلك يمكن ، شرعا وواقعا .
ومن هذا الباب : شفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم لمغيث حتى تعود إليه بريرة بعد أن فارقته.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ : ( يَا عَبَّاسُ ، أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا ) ،! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ رَاجَعْتِهِ ) ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : ( إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ، قَالَتْ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ) " . صحيح البخاري ( 5283 ) .
وإذا عجز عن الزواج ، فعليه في هذه الحالة باللجوء إلى الله تعالى لكي يفرج همّه ، وعليه بالصبر ، وليتنبّه إلى أن هذا ابتلاء واختبار من الله تعالى ، فإن صبر فله أجر عظيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه لله ... من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات ، نظرا وقولا وعملا ، وكتم ذلك ، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم ، إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوع طلب للمعشوق ، وصبر على طاعة الله ، وعن معصيته ، وعلى ما في قلبه من ألم العشق ، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 10 / 133 ) .
ثالثا :
وأما الاستدلال بالآية الكريمة المذكورة في السؤال على أن الحل للحب والميل للجنس الآخر قبل الزواج ، إما الخطبة أو كتم الأمر في النفس حتى يقضي الله فيه ؛ فهذه الآية الكريمة إنما نزلت في حق المعتدة من وفاة زوجها ، فيجوز لمن أراد أن يخطبها أن يعرض لها بالنكاح ولا يصرح ، كما يجوز له أن يضمر في نفسه أنه متى انقضت عدتها تقدم للزواج منها .
ولا يظهر لنا مانع من الاستدلال بالآية على ما ذكر ، فمن وقع في قلبه حب امرأة ، فليقدم على خطبتها ، فإن كان هناك مانع من خطبتها فلا حرج عليه أن يضمر في نفسه أنه متى زال هذا المانع تقدم لها .
بشرط أنه لا يتواعد معها على شيء محرم ولا يفعل معها شيئا محرما ، لقوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) .
فلا يجوز أن يقول لها قولا منكرا شرعا .
والذي يصارح لمن يحب بالحب والعشق ، لم يقل معروفا بل قال قولا منكرا ، فبهذا قد أطمع الطرف الآخر بالوصال ، فإذا لم يكن قادرا على الزواج بها ، فالأمر أشد في حقه ، ومن هنا يتلاعب الشيطان بهما ، فمتى كان باب الحلال موصدا ، لم يبق إلا الحرام !!
أمّا إذا كان قادرا على الزواج ، راغبا في الفتاة ، فليصرح بذلك ، وليخطبها من أوليائها .
والله أعلم .
تعليق