الحمد لله.
إنشاء الصفحات الدعوية والتعليمية على شبكة الإنترنت ، هي صورة من صور نشر العلم النافع وهي سبيل من سبل الدعوة إلى الله تعالى .
وهذان الفعلان – بث العلم والدعوة إلى الله تعالى - وإن لم يكونا داخلين في مصطلح " الصدقة الجارية " ، إلّا أنهما يشتركان معها في الفضل ، وجريان الأجر واستمراره حتى بعد وفاة صاحبه ، كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم (1631) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) رواه ابن ماجه (242) ، وحسّنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه".
وتعليم العلم يكون بنشره بالتدريس أو بالتأليف أو بالنسخ .
قال الصنعاني رحمه الله تعالى :
" وتعليم العلم يشمل التأليف ، والتدريس ، والنسخ ، وتصحيح كتب أهل الإِسلام " .
انتهى من " التنوير شرج الجامع الصغير " (2 / 274) .
وقال في " سبل السلام " ( 5 / 227 ) :
" يدخل فيه من ألف علما نافعا ، أو نشره ، فبقي من يرويه عنه وينتفع به ، أو كتب علما نافعا ، ولو بالأجرة مع النية ، أو وقف كتبا " انتهى .
وإنشاء الصفحات الجامعة لأقوال أهل العلم ، ولمقاطع من محاضراتهم ودروسهم ونحو ذلك : هو من صور نسخ العلم ، ونشره .
وصاحب هذه الصفحات الدعوية له ـ إن شاء الله ـ من الأجر مثل أجور من عمل بما ترشد إليه هذه الصفحات من الخير والهدى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى ، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم ( 2674 ) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى :
" ... وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه ، أو إلى ضلالة : كان عليه مثل آثام تابعيه ، سواء كان ذلك الهدى والضلالة ، هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه ، وسواء كان ذلك تعليم علم ، أو عبادة ، أو أدب ، أو غير ذلك " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 16 / 226 - 227 ) .
فعلى المسلم الناشط في إنشاء هذه الصفحات أن يستبشر بسعة فضل الله تعالى وأن يخلص النية ، كما عليه أن يتأكد من العلم الذي سينشره ، أو الأمر الذي يدعو إليه : أن يكون خاليا من الانحرافات ، أو البدع والضلالات .
وعليه أيضا أن يشتغل بالعلم الذي تعظم فائدته ، وحاجة الناس إليه أكثر .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" ينبغي أن يختار من العلوم : الأنفع ، فالأنفع " انتهى من " شرح صحيح مسلم (11 / 85) .
والله أعلم .
تعليق