الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فجمهور العلماء يرون جواز تصوير ما لا روح فيه من الأشجار والمباني وغيرها ويستدلون على ذلك بعدة أدلة منها :
ما أخرجه البخاري ( 5963 ) ومسلم ( 2110 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ "
فعُلِم أن النهي في الحديث متوجهٌ إلى ما فيه روح ، ومما يؤيد هذا الفهم أن ابن عباس رضي الله عنهما وهو راوي الحديث قد أفتى بجواز رسم الشجر وما لا روح فيه كما جاء في صحيح البخاري ( 2225 ) ومسلم ( 2110 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا " فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ ـ أي ابن عباس ـ : وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ "
وفي صحيح البخاري (5181) ومسلم (2108) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت : َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَة "ُ
فدل الحديث على أن العذاب متعلق بما تحله الحياة المتعلقة بالروح لقوله عليه الصلاة والسلام " أحيوا ما خلقتم "
وأما قوله عليه الصلاة والسلام " فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة " فالمقصود به التعجيز ، فإن الخلق مهما صنعوا من الأشكال التي تشابه هذه الحبوب والنباتات ، فلا يمكن أن يودعوا فيها خصائص هذه النباتات فلا يمكن أن تُزْرَع ، وتنبُت ، ونحو ذلك . فإذا عجز الخلق أن يوجدوا حبة واحدة فيها مشابهة لبعض خصائص الحبة التي خلقها الله فهم أعجز ما يكونون عن نفخ الروح في الصور التي يصورونها ، والتماثيل التي يصنعونها . وبهذا يتبين أنه ليس المقصود من الحديث ما قد يتبادر إلى الذهن من أن تصوير الحبوب والأشجار وما لا روح فيه محرم ، بل المقصود به التعجيز كما سبق بيانه والله أعلم .
تعليق