الحمد لله.
روى النسائي (3175) ، وأحمد (22396) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام )وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
فأفاد هذا الحديث الصحيح أن
هناك جماعتين من المسلمين ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنجاتهما من النار :
جماعة تغزو الهند ، وجماعة تكون مع عيسى عليه السلام .
ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهما إلا بالوصف المذكور ، فلا يُعرف عنهما إلا
ذلك .
أما جماعة المسيح عليه السلام : فلا ينبغي الاختلاف عليها ، وأنها تكون زمان نزول المسيح عليه السلام .
وأما الجماعة التي تغزو
الهند : فلم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها إلا أنها تغزو الهند ، فلا نتعدى
في تعريفها ذلك .
وقد غزا المسلمون الهند ، مرة في عهد الوليد بن عبد الملك بقيادة القاسم بن محمد
الثقفي ، ومرة في زمان العباسيين ، بقيادة محمود بن سُبُكتِكين .
أما السلطان " أورنك زيب "
رحمه الله : فقد كان سلطان الهند ، وليس من فاتحيها الذين ابتدءوا فتحها، وغزاها من
خارجها ، فقد ولد في الهند ، وأبوه السلطان " شاه جيهان " من سلاطين دولة المغول في
الهند ، إلا أنه رحمه الله كان قائدا مجاهدا ، حرص على نشر الإسلام ، وتصحيح
العقيدة ، ونبذ البدع ، ومحاربة أهلها ، فغزا كثيرا من أقاليم بلاد الهند ، حتى
دانت له ، فنشر الدين ، وأخذ الجزية من كفار الهند ، وفتح الفتوحات العظيمة ، وأعزّ
الله به الإسلام وأهله بتلك البلاد .
انظر جواب السؤال رقم : (174824) ، (148529)
.
وأما شير شاه السوري: فهو
أيضا سلطان من سلاطين الهند وملوكها .
وهو السلطان العادل شير شاه بن حسن خان بن إبراهيم السوري، وكان اسمه فريد خان.
و"سور" قبيلة من الأفغان، وهم ينتسبون إلى الملوك الغورية .
قال عبد الحي الحسني في "نزهة الخواطر" (4/ 353):
" انتقل جده إبراهيم من جبال روه ، إلى أرض الهند ، وتوسل ولده حسن خان بالأمير
جمال خان الأفغاني وأحسن الخدمة ، فأقطعه جمال خان سهسرام وخواص بور، وكان فريد خان
أكبر أولاد أبيه ، وكان من خيار السلاطين ، عادلاً باذلاً ، كريماً رحيماً، شجاعاً
مقداماً محظوظاً جداً، كان لا يقصد باباً مغلقاً إلا انفتح ، ولا يقدم على أمر مهم
إلا اتضح ، وكان وزع أوقاته من يوم وليلة ، شطراً منها للعبادة ، وشطراً للعدل
والقضاء، وبعضاً منها لإصلاح العسكر، فكان ينتبه من النوم في ثلث الليل الآخر
ويغتسل ويتهجد ويشتغل بالأوراد إلى أربع ساعات نجومية ، ثم ينظر في حسابات الإدارات
المختلفة ، ويرشد الأمراء فيما يهمهم من الأمور في ذلك اليوم ، ويهديهم إلى برنامج
العمل اليومي لئلا يشوشوا أوقاته بعد ذلك بالأسئلة ، ثم يقوم ويتوضأ لصلاة الفجر
ويصليها بالجماعة ، ثم يحضر لديه الأمراء فيسلمون عليه ، ثم يقوم ويصلي صلاة
الإشراق ، ثم يسأل الناس عن حوائجهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه من خيل وأقطاع وأموال
وغير ذلك ، لئلا يسألوه في غير ذلك من الأوقات ، ثم يتوجه إلى المظلومين
والمستغيثين ويجتهد في إغاثتهم " انتهى باختصار .
وبالجملة : فقد كان محمود السيرة ، يقوم بالعدل بين الناس ، صاحب عبادة وصلاح ، إلا
أنه كان يميل إلى التصوف ، ويحافظ على أورادهم ، كالمسبعات العشر وغيرها ، كما يعرف
ذلك من ترجمته .
وهو أيضا ليس ممن غزا الهند ابتداء، لأنه مولود بها ، ولكنه غزا بعض أقاليمها.
تعليق