الحمد لله.
روى الترمذي (2550) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1343) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (33971) ، وأبو يعلى في "مسنده" (268) ، وتمام في "الفوائد" (379) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (376) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوقًا، مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا) .
وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف ، صاحب مناكير ، قال أحمد: ليس بشيء ، منكر الحديث ، هو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير ، وقال الساجي: أحاديثه مناكير، وضعفه ابن سعد ، ويعقوب بن سفيان ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، والعقيلي ، وغيرهم .
انظر : "تهذيب التهذيب" (6/ 137) .
وله طريق أخرى عند الطبراني في " الأوسط " (5664) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا ، نحوه .
وإسناده واه ، تفرد به جابر الجعفي ، وهو متروك كذاب ، قال الإمام أبو حنيفة : " ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا أكذب من جابر الجعفي ، ما أتيته بشيء إلا جاءني فيه بحديث ، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها " .
وكذبه أيضا ابن معين ، والجوزجاني وغيرهما .
وقال ابن حبان: كان سبئيا ، من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا .
انظر : "ميزان الاعتدال" (1/ 380-383) .
وقد ضعف هذا الحديث غير وحد من أهل العلم ، منهم : ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/450) ، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (4/302) ، والدمياطي في "المتجر الرابح" (353) ، وأحمد شاكر في "تحقيق المسند" ، والألباني في "الضعيفة" (1982) .
وقد صح ذكر سوق الجنة ، ولكن بدون ذكر الصور ، فروى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُم ْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا) .
وإذا افترضنا ـ جدلا ـ صحة الحديث ، فلا علاقة له بتغيير الجنس ، على ما ذهب إليه وهم الواهم ، وغلط الغالط ؛ بل هذا مناف للفطرة ، مناقض لما صح من استمتاع الرجال بأزواجهن والمرأة بزوجها من أهل الإيمان واختصاصها به ، ونحو ذلك ، مما يقطع معه ببطلان ذلك الكلام .
ومتى كان المسلم الطاهر النظيف ، والرجل من أهل الجنة : يشتهي أن يكون امرأة توطأ ؟!
سبحانك ، هذا بهتان عظيم ، ولعب من الشياطين بأذهان المستغفلين .
وتأمل ما سبق في الحديث الصحيح في سوق الجنة : أنهم يرجعون إلى أهليهم ، فيقولون : لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا ، يتبين المعنى من مثل هذا الحديث ؛ لو كان صحيحا .
قال الطيبي رحمه الله :
" قيل: يحتمل الحديث معنيين: أحدهما: أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه فإذا اشتهى وتمنى صورة من تلك الصور المعروضة عليه ، صوره الله تعالى بشكل تلك الصورة بقدرته
وثانيهما: أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق، ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحُلي والحلل والتاج، يقال: لفلان صورة حسنة أي شارة حسنة وهيئة مليحة.
وعلى كلا المعنيين التغيير في الصفة لا في الذات.
أقول: ويمكن أن يجمع بينهما ليوافق حديث أنس: (فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالا ...) الحديث " .
انتهى من "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبي (11/3568) .
والله تعالى أعلم .
تعليق