الحمد لله.
أولا :
هذا الإشكال هو نظري فقط ، ولا وجود له في واقع يوم القيامة ؛ لأن الوحي أخبرنا أنه لا أعزب في الجنة .
عن أَبي هُرَيْرَةَ: قال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ) رواه مسلم (2834) .
والزواج من متاع أهل الجنة ، وأهل الجنة لا يكون لهم من المتاع إلا ما تشتهيه أنفسهم ، لا ما تكرهه ولا تريده .
قال الله تعالى : ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) فصلت /31 .
وقال الله تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف /71 .
فيتضح من هذا ؛ أنهم مادام سيمتعون كلهم بالزواج ، فإنه ستشتهيه أنفسهم حتما ، وأنه لن يرفض الزواج أحد من أهل الجنة .
ثانيا :
الإنسان في هذه الدنيا قد لا يرغب في الزوجة لأحد الأسباب التالية -وكلها منتفية في
الآخرة-
الحالة الأولى :
ألا يعطى الرغبة في النساء لكن يكون عنده من الهموم والمشاغل الدينية أو الدنيوية
ما يضعف نفسه ، ويتغلب على رغبته في النساء فيشغله عنهن ، وهذا الأمر ليس موجودا في
الجنة ؛ لأن الجنة لا همّ ولا نصب ولا تكليف فيها كما هو معلوم .
قال الله تعالى : ( لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ
) الحجر/48 .
الحالة الثانية :
أن يكون الشخص يعاني من علة نفسية أو جسدية تزيل منه هذه الرغبة والميل للنساء ،
وأهل الجنة لا يعانون من الأمراض والعلل ، بل يعطون قوة على النساء تفوق قوة أهل
الدنيا .
عن زَيْد بْن أَرْقَمَ، أنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ
رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ ) " رواه أحمد (32 /
65) و (32 / 19) وصححه محققو المسند، وصححه الألباني في " صحيح الجامع الصغير " (1
/ 335).
الحالة الثالثة :
أن يعتقد الشخص أن الزواج نقص والتبتل كمال ؛ كما هو حال بعض من يدعي التصوف والزهد
، فلهذا ينصرف عن الزواج ولا يريده .
وهذا جهل وقصور في العلم ينزه عنه أهل الجنة ؛ لأن الحق هو أن الرغبة والميل للنساء
والقوة في ذلك هو من الكمال البشري الممدوح ؛ ولهذا كان الأنبياء وهم صفوة الخلق
يتزوجون .
قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 .
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
" وإن أكثر من النكاح والسراري ، كان ممدوحًا لا مذمومًا ؛ فقد كان للنبي صلى الله
عليه وسلم زوجات وسراري ...
فإن طلب التزوج للأولاد ، فهو الغاية في التعبد ، وإن أراد التلذذ ، فمباح ، يندرج
فيه من التعبد ما لا يحصى ، من إعفاف نفسه والمرأة . إلى غير ذلك .
وقد أنفق موسى عليه السلام من عمره الشريف عشر سنين في مهر ابنة شعيب ؛ فلولا أن
النكاح من أفضل الأشياء ، لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه ... " .
انتهى من " صيد الخاطر " (ص 64 – 65) .
والرغبة عن الزواج والزهد
فيه مع القدرة عليه هو أمر باطل مخالف للشرع .
عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أنه قال: " جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ
إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَسْأَلُونَ
عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا
كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا
تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ،
وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا
أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : )أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ
كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ
، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ
، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه البخاري (5063) ، ومسلم
(1401) .
تعليق