الحمد لله.
أولا:
الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، فلا يحكم على طعام بأنه محرم أو نجس إلا إذا ثبت ذلك بيقين، وذلك أن الله امتن على عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعا، فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة/29 .
وروى الترمذي (1726) عن سلمان قال : " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ فَقَالَ: (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ) والحديث حسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "(الأصل فيها الحل) (فيها) أي في الأطعمة الحل، وهذا أمر مجمع عليه ، دل عليه القرآن في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فقوله (ما في الأرض) ما : اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، كما أنه أكد ذلك العموم بقوله: (جميعا) ؛ فكل ما في الأرض فهو حلال لنا أكلا وشربا ولبسا وانتفاعا، ومن ادعى خلاف ذلك فهو محجوج به ، أي بهذا الدليل . إلا أن يقيم دليلا على ما ادعى، ولهذا أنكر الله عز وجل على الذين يحرمون ما أحل الله من هذه الأمور فقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف: من الآية32" انتهى من "الشرح الممتع" (15/ 5).
فما لم يثبت أن المادة المذكورة من مشتقات الخنزير : فالأصل فيها الحل.
ثانيا:
إذا ثبت أن هذه المادة من مشتقات الخنزير، ولم يكن ذلك مجرد شك أو وسواس ، فينظر في أمر إضافتها إلى اللبن :
فإن أضيفت إلى اللبن البودر كما هي : حرُم تناول هذا اللبن.
وإن عولجت ، حتى تحولت إلى مادة أخرى مختلفة الصفات، فالاستحالة مطهرة على الراجح، ولا حرج حينئذ في تناول ما وضعت فيه من لبن وغيره.
ومن قرارات " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " - وقد بحثت موضوع " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " بمشاركة الأزهر الشريف ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية ووزارة الصحة بدولة الكويت ، وذلك في الفترة من 22 - 24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الموافق 22 - 24 من شهر مايو 1995 - :
"6- المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه ، مثل بعض الأجبان وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد ، وبعض أنواع البسكويت والشكولاتة والآيس كريم : هي محرمة ، ولا يحل أكلها مطلقا، اعتبارا لإجماع أهل العلم على نجاسة الخنزير ، وعدم حل أكله، ولانتفاء الاضطرار إلى تناول هذه المواد ...
8. الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها ، تحوِّل المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة ، وتحوِّل المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً .
وبناءً على ذلك :
- الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره : طاهر وأكله حلال .
-الصابون الذي يُنتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله .
- الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم : طاهر ويجوز تناوله .
- المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير ، لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه . أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة . انتهى .
http://islamport.com/w/fqh/Web/1272/4494.htm
وانظر: جواب السؤال رقم : (97541) ، و (219137).
ثالثا:
إذا اجتنب الإنسان ما يشك في حرمته تورعا ، واتقاء للشبهات، فقد أحسن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599).
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ) رواه الترمذي (2518) ـ والنسائي (5711) وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ولا يكون هذا بإتلاف المال وسكب اللبن في القمامة؛ فإنا قد نهينا عن إضاعة المال، فإن أمكن أن يستفاد منه في إطعام القطط أو تعطيه لمن يرى جواز شربه ، ولا يأخذ بالأحوط والأورع في هذا ، فلا بأس ، وإلا فالأصل إباحة تناولك له.
والله أعلم.
تعليق