الحمد لله.
أولا :
يكره للمسلم أن يدخل الكنيسة وذلك لما فيها من صور وتماثيل .
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ " رواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم ، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وفي رواية الأصيلي ( والصور ) بزيادة الواو العاطفة .
وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال : " لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم ، وقال : أحب أن تجيئني وتكرمني ، فقال له عمر : إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ؛ يعني التماثيل " .
انتهى من " فتح الباري " (1 / 531 - 532) .
وينظر أيضا : "فتح الباري" لابن رجب (3/240) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى
:
" وكره مالك الصلاة في البِيَع والكنائس ؛ لنجاستها من أقدامهم ، ولما فيها من
الصور ، وقال : لا يُنْزَل بها إلا من ضرورة . ذكره صاحب التهذيب .
ورخص أكثر أصحابنا – أي الحنابلة - في دخول ما ليس فيه صور منها ، والصلاة فيها .
وكرهه بعضهم ، منهم : ابن عقيل . ومنهم من حكى في الكراهة عن أحمد روايتين ...
وصرح كثير من أصحابنا بتحريم الدخول إلى بيت فيه صور على جدرانه ، إن كان لا يقدر
على إزالتها ، وسواء كان حماما أو غيره ، منهم : ابن بطة ، والقاضي أبو يعلى .
وذكر صاحب المغني أن ظاهر كلام أحمد أنه مكروه غير محرم ، وحكاه - أيضا - عن مالك "
انتهى من " فتح الباري " ( 3 / 240 - 241 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب كراهة دخول الكنيسة المصورة ، فالصلاة فيها وفي
كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة ، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك " .
انتهى من " الفتاوى الكبرى " (5 / 327) .
وقال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" الصلاة في الكنائس جائز لدخولها في جملة قوله: ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ،
ويكره الدخول لموضع فيه صور من الكنائس وغيرها " انتهى من " الأوسط " (2 / 194) .
أما ما روي عن بعض السلف
أنهم صلوا في الكنائس ، فلعلها كانت خالية من الصور .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" وحكى ابن المنذر وغيره : الرخصة فيها – أي الصلاة في الكنيسة - عن طائفة من
العلماء ، منهم : أبو موسى ، والحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وعمر بن عبد العزيز ،
والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، واختاره ابن المنذر.
وأكثر المنقول عن السلف في ذلك قضايا أعيان لا عموم لها ، فيمكن حملها على ما لم
يكن فيه صور " انتهى من " فتح الباري " (3 / 241) .
أما الأثر الذي استدل به ابن
قدامة رحمه الله ؛ حيث قال :
" روى ابن عائذ في " فتوح الشام " : ( أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه ، حين
قدم الشام ، طعاما ، فدعوه ، فقال : أين هو ؟ قالوا : في الكنيسة ، فأبى أن يذهب ،
وقال لعلي : امض بالناس ، فليتغدوا . فذهب علي رضي الله عنه بالناس ، فدخل الكنيسة
، وتغدى هو والمسلمون ، وجعل علي ينظر إلى الصور، وقال : ما على أمير المؤمنين لو
دخل فأكل ) وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور " انتهى من " المغني "
(10 / 203) .
وقد ذكر هذا الأثر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه " إغاثة اللهفان " (1 / 290)
فعلق عليه محقق الكتاب بما يفيد ضعف الأثر فقال :
" عزاه ابن قدامة لابن عائذ في فتوح الشام ، ورواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (42
/ 6) من طريق ابن عائذ عن الوليد قال : حدثنا عبد الله بن زياد بن سمعان وهشام بن
سعد يسمع أن نافعا حدثه ... وذكر القصة بنحوها ، وعبد الله بن زياد متروك متّهم
بالكذب " انتهى .
قال الشيخ الألباني رحمه
الله تعالى :
" واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في
الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل ، استجابةً منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم "
.
انتهى من " آداب الزفاف " (ص 165) .
ثانيا :
ومما يؤكد المنع : أنّ دخول الأطفال إلى الكنائس في حالتكم لا حاجة شرعية إليه أصلا
، وفي الوقت نفسه قد يجر مخاطر عظيمة على دينهم ؛ لأن هذا السن في العادة والغالب
لم يكتمل فيه ثبات معاني الدين في القلوب ؛ فتعويدهم دخول الكنائس يؤدي إلى ضعف
عقيدة الولاء والبراء في قلوبهم ، ويؤدي إلى عدم بغض الكفر وأماكنه ، وعدم الإنكار
بالقلب ، كما هو مشاهد فيمن يكثر من دخول أماكن المنكرات ، فإن كثرة المخالطة تؤثر
في الإنسان ولابد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين ، هم أقل كفراً من غيرهم ، كما
رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ، هم أقل إيماناً من غيرهم
ممن جرد الإسلام " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (1 / 448) .
فالحاصل ؛ أنه يكره دخول الكنائس التي توجد فيها التصاوير والتماثيل ، وتشتد الكراهة وقد تصل إلى التحريم إن كان هذا الدخول يجر مفاسد ولا يحقق مصالح معتبرة شرعا .
والله أعلم .
تعليق