الحمد لله.
أولا:
لا تجوز خلوة المرأة بأجنبي عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) رواه البخاري (1862) ، ومسلم (1341) ، وقوله : ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ونقل النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 153) إجماع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه " ، وكذا نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (4/ 77).
والانفراد مع السائق يعتبر
خلوة ولو كان يسير في طرقات وشوارع مليئة بالناس، كما أفتى به غير واحد من أهل
العلم .
وينظر جواب السؤال رقم : (10374).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : قال رحمه الله : " لا يحل لإنسان أن يمكن زوجته أو ابنته من أن تركب مع
السائق وحدها ؛ لأن هذا من أعظم الخلوة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قوله في حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين (لا يخلون رجل بامرأة) .
ولا يقال إن هذا ليس بخلوة لأنهم يمشون في السوق ، صحيح أنهم يمشون في السوق ،
لكنهم في خلوة ؛ لأن هذه السيارة بمنزلة غرفة ، أو حجرة ، انفرد بها هذا الرجل بهذه
المرأة ، فهو يستطيع أن يتكلم معها بما يشاء وأن يضحك إليها وتضحك إليه ، ويستطيع
أن يتفق معها بكل سهولة على أن يخرجا إلى خارج البلد ويصنعا ما أراد ، فالمسألة
خطيرة جداً سواء قلنا إنها خلوة كما هو الذي يتضح لنا أو قلنا إنها ليست بخلوة ،
فإنها تعرض للفتن بلا ريب ، ثم إن بعض الناس يقول : إن زوجتي والحمد لله مأمونة
تخاف الله ، أو إن ابنتي كذلك مأمونة تخاف الله ، وتخشى العواقب في الدنيا والآخرة
، نقول : مهما كان الأمر فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " انتهى من "فتاوى
نور على الدرب".
ثانيا:
تنتفي الخلوة بوجود محرم للمرأة ، أو وجود امرأة أخرى على الراجح.
قال في "أسنى المطالب" (3/407) : " ( و ) يجوز ( لرجل ) أجنبي ( أن يخلو بامرأتين ،
لا عكسه ) أي لا يجوز لرجلين أجنبيين أن يخلوا بامرأة ولو بَعُدَ تواطئهم على
الفاحشة كما صرح به النووي في مجموعه ; لأن المرأة تستحيي من المرأة فوق ما يستحي
الرجل من الرجل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " أما الخلوة في البلد فلا يجوز للمرأة أن تخلو بالسائق في السيارة ، ولو
إلى مدى قصير ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي
محرم ) .
ولكن إذا كان مع المرأة امرأة ، أخرى وكان السائق أميناً : فهنا لا خلوة ، فلا حرج
أن تركب في السيارة هي والمرأة ما دام أن ركوبها ليس سفراً .
وحينئذ نقول : زالت الخلوة بالمرأة المصاحبة ، ولا نقول : إن المرأة المصاحبة تعتبر
محرماً ، بل نقول : إن الممنوع في البلد أن يخلو الرجل بالمرأة ، بخلاف السفر ،
فالسفر الممنوع أن تسافر المرأة بلا محرم ، وبين المسألتين فرق واضح " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/ 191).
ثالثا:
لا يشترط في المحرم الذي تنتفي به الخلوة أن يكون بالغا، بل إذا كان مميزا يُستحيا
منه ، انتفت الخلوة.
جاء في "فتاوى النووي" ـ رحمه الله ـ ، ص 209: " هل يحل له مساكنة المعتدة منه ؟
الجواب: إِن سكنَ كلٌ منهما في مسكن من دار ، منفردة بمرافقه : كالمطبخ ، والبئر،
والمستراح، والمصْعَدِ إِلى السطح ونحوه : جاز.
وإِن اتحدت المرافق : لم يجز؛ إِلا أن يكون هناك مَحْرَم له ، أو لها ، من الرجال،
أو النساء، أو زوجةٍ ، أو جاريةٍ ، أو امرأة أجنبيةٍ ثقةٍ .
ويشترط في هذا المحْرَم وغيرِه أن يكون عاقلًا، بالغًا، أو مراهقًا، أو مميزًا،
بحيث يُستحيا منه. ويجوز أن يخلو رجل بأجنبيتين، ولا تجوز خلوة رجلين بأجنبية "
انتهى.
وقال في "أسنى المطالب"
(3/407): " ( فصل : يحرم على الزوج ) ولو أعمى ( مساكنة المعتدة ) في الدار التي
تعتد فيها ، ومداخلتها ؛ لأنه يؤدي إلى الخلوة بها ، وهي محرمة عليه ؛ ولأن في ذلك
إضرارا بها ، وقال تعالى : (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) ( إلا في دار واسعة ) فيجوز
ذلك ( مع محرم لها من الرجال ، أو ) محرم ( له من النساء ، أو ) مع ( زوجة ) أخرى
له ( أو جارية ) له ، ولها ، لانتفاء المحذور السابق ، ( و ) لكنه ( يكره ) ; لأنه
لا يؤمن معه النظر ...
( ويشترط في المحرم ) ونحوه ( تمييز وبلوغ ) : فلا يكفي غير المميز ، ولا المميز
الصغير ؛ لأن غير المكلف لا يلزمه إنكار الفاحشة .
واعتبار البلوغ نقله الأصل عن الشافعي ثم قال : وقال الشيخ أبو حامد : يكفي عندي
حضور المراهق ، وقضية كلام النووي في منهاجه ، كأصله : الاكتفاء بالمميز ، وصرح به
في فتاويه ، فقال: ويشترط أن يكون بالغا عاقلا أو مراهقا أو مميزا يستحيا منه "
انتهى.
فإن كان الصبي صغيرا ، لا يُستحيا منه ، كابن سنتين وثلاث وأربع ، فإن الخلوة لا
تنتفي به.
قال النووي رحمه الله : "
وأما اذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما : فهو حرام باتفاق العلماء .
وكذا لو كان معهما من لا يستحيا منه ، لصغره ؛ كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك ؛ فإن
وجوده كالعدم" انتهى من "شرح مسلم" (9/109).
وقال رحمه الله : " واعلم أن
المحرم الذى يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده : يشترط أن يكون ممن يستحيا منه، فان
كان صغيرا عن ذلك ، كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك : فوجوده كالعدم ، بلا خلاف" انتهى
من "المجموع" (4/278).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه
الله: " ما حكم جلوسي مع أخو زوجي، وأطفالي في حضرتي؟
فأجاب: ليس لك الجلوس مع أخي زوجك مع الأطفال ؛ لأن هذه خلوة، والرسول -صلى الله
عليه وسلم- يقول: (لا يخلون رجلٌ بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) .
أما إذا كانوا مميزين ، بحيث يُحترمون : تزول الخلوة ؛ ابن سبع، وابن ثمان ، وابن
عشر .
أما الصغار دون السبع : فليس لوجودهم فائدة، ولا يمنع من الخلوة .
فلا بد يكون الأولاد من سبع ، فأكثر، يحصل بهم زوال الخلوة. جزاكم الله خيراً"
انتهى :
http://www.binbaz.org.sa/noor/2003
وعليه : فيجوز لك الركوب مع
السائق في وجود ابنك الذي له ثمان سنوات ، ما دام عاقلا متيقظا يستحيى منه ، وينبغي
التقليل من ذلك ، والاقتصار على مواضع الضرورة أو الحاجة.
وانظري للفائدة : سؤال رقم :(137095).
والله أعلم.
تعليق