الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

دفعت تكاليف الحج ثم توفي زوجها ، فما العمل ؟

246662

تاريخ النشر : 24-12-2016

المشاهدات : 36559

السؤال

حدث هذا الأمر مع زوج عمى ، حيث دفعت أموالا لأداء العمرة أو الحج ، ثم مات زوجها قبل سفرها لأداء المناسك، فهل يجب عليها استرداد المال إن تمكنت ؟ وإن لم تتمكن من استرداد الأموال فماذا تفعل ؟ علما بأن المال الذى تم دفعه سيضيع عليها ، وكذا الحكم فى امرأة مات زوجها ، ودفعت أموالا للعمرة أو الحج ، لكنها تجهل أن المرأة المعتدة لا يجوز لها أن تخرج من البيت ، مع ذكر الأدلة .

الجواب

الحمد لله.

أولا :
الواجب على المعتدة من وفاة زوجها أن تلازم في مدة الإحداد بيت الزوجية الذي كانت تقيم فيه قبل وفاة زوجها .
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عَجْرَةَ : " أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ ـ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ أَخْبَرَتْهَا : أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي ، فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ ، وَلَا نَفَقَةٍ ؟ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نَعَمْ )، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ ، دَعَانِي ، أَوْ أَمَرَ بِي ، فَدُعِيتُ لَهُ ، فَقَالَ: ( كَيْفَ قُلْتِ ؟) ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي ، قَالَتْ: فَقَالَ: ( امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ ، وَقَضَى بِهِ " رواه أبوداود (2300) ، والترمذي (1204) وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح " ثم قال :
" وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ : لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ .
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ : لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ ، وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا .
وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ " انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
" وحديث سعد بن إسحاق هذا – حديث الفريعة - مشهور عند الفقهاء بالحجاز والعراق معمول به عندهم ، تلقوه بالقبول وأفتوا به ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل ، كلهم يقول : إن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي كانت تسكنه ، وسواء كان لها أو لزوجها ، ولا تبيت إلا فيه حتى تنقضي عدتها ، ولها أن تخرج نهارها في حوائجها .
وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود وأم سلمة وزيد بن ثابت وبن عمر ...
وفي هذه المسألة قول ثان ، روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله أنهم قالوا : تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت وليس عليها السكنى بواجب في بيتها أيام عدتها ...
وجملة القول في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين ، مع أحدهما سنة ثابتة وهي الحجة عند التنازع ، ولا حجة لمن قال بخلافها .
وليس قول من طعن في إسناد الحديث الوارد بها مما يجب الاشتغال به ، لأن الحديث صحيح ، ونقلته معروفون ، قضى به الأئمة ، وعملوا بموجبه ، وتابعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق ، وأفتوا به وتلقوه بالقبول لصحته عندهم " .
انتهى من "الاستذكار" (18 / 181 – 185).
ثانيا :
هل الحج عذر شرعي تترك به المعتدة من وفاة زوجها المقام في بيتها ؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز خروج المعتدة من وفاة زوجها إلى الحج .
قال أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" واختلفوا في خروج المعتدة للحج والعمرة .
فمنع من ذلك عمر بن الخطاب ، وروي ذلك عن عثمان بن عفان.
وبه قال ابن المسيب ، والقاسم بن محمد ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأبو عبيد ، وحكاه أبو عبيد عن الثوري.
وقال مالك: ترد ما لم تحرم ...
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول " انتهى من " الإشراف " (5 / 342) .
وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها ، فمات زوجها في شعبان : فهل يجوز لها أن تحج ؟
فأجاب:
" ليس لها أن تسافر في العدة عن الوفاة إلى الحج ، في مذهب الأئمة الأربعة " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (34 / 29) .
وحجتهم ما سبق من حديث فريعة ، من وجوب ملازمة بيتها ؛ وهذا الواجب محدد بزمن يفوت بفواته ، أما الحج فيمكن تداركه في المستقبل ؛ والقاعدة عند تزاحم الواجبات : أن يقدم مالا يمكن تداركه على ما يمكن تداركه .
قال القرافي رحمه الله تعالى :
" قاعدة : إذا تزاحمت الواجبات قدم المضيق على الموسع ، والفوري على التراخي ، والأعيان على الكفاية ؛ لأن التضييق في الواجب يقتضي اهتمام الشرع به ، وكذلك المنع من تأخيره ، بخلاف ما جوز تأخيره " انتهى من " الذخيرة " (3 / 183) .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" ولو كانت عليها حجة الإسلام ، فمات زوجها ، لزمتها العدة في منزلها ، وإن فاتها الحج ، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها ، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام " .
انتهى من " المغني " (11 / 305) .
ويتأيد هذا بما ورد عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنَ الْبَيْدَاءِ ، يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ " رواه الإمام مالك في " الموطأ " (2194) .
وقال الألباني رحمه الله تعالى :
" وهذا إسناد رجاله ثقات على الخلاف في سماع سعيد من عمر " .
انتهى من " ارواء الغليل " (7 / 208) .
وسعيد بن المسيب ، إذا قدر أنه لم يسمع من عمر هذا الحكم ، فإن كبار أئمة الحديث على قبول روايته عن عمر رضي الله عنه ، لما كان له من مزيد عناية بقضايا عمر وأحكامه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وقال أبو طالب قلت لأحمد : سعيد بن المسيب ؟ فقال : ومن مثل سعيد ! ثقة من أهل الخير . فقلت له : سعيد عن عمر حجة ؟
قال : هو عندنا حجة قد رأى عمر وسمع منه وإذا لم يقبل سعيد عن عمر ؛ فمن يقبل ؟! ...
وقال الليث عن يحيى بن سعيد : كان ابن المسيب يسمى راوية عمر ، كان أحفظ الناس لأحكامه أقضيته ...
وقال مالك بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره .
وقال مالك : لم يدرك عمر ، ولكن لما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره " .
انتهى من " تهذيب التهذيب " (4 / 85 – 86) .
ويتقوى جانب قبول روايته أيضا : إذا كان لما يرويه أصل يعضده .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
" قال : فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ، ولم تقبلوه عن غيره ؟
قلنا: لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ، ولا أثره عن أحد ، فيما عرفناه عنه ، إلا ثقة معروف . فمن كان بمثل حاله ، قبلنا منقطعه " .
انتهى . " الأم " (4 / 390) .
قال البيهقي رحمه الله تعالى :
" أما الذي ذكر الشافعي رحمه الله في مرسلات ابن المسيب ، فكذلك قال غيره من أهل العلم بالحديث ...
الحكايات عن السلف في تفضيل سعيد بن المسيب ، فيما يرونه ، على أبناء دهره : كثيرة ، وللشافعي رحمه الله ، فيما قال في مراسيل ابن المسيب ، بهم قدوة ، ثم إنه لم يقتصر في مراسيله على مجرد الدعوى ، حتى بين وجه الرجحان في مراسيله " .
انتهى من " معرفة السنن والآثار " (8 / 235 – 236) .
وأثره هذا عن عمر له من السنة أصل يعضده ، وهو حديث الْفُرَيْعَة بِنْت مَالِكِ السابق ذكره .

ثالثا :
وبما سبق يتبيّن :
أن هذه المرأة المعتدة من وفاة زوجها إن كانت تستطيع استرجاع أموال سفر الحج ، من غير ضرر عليها : فليس لها الخروج من بيتها للحج .
أما إذا تعذر عليها استرجاع أموال الحج ، وكانت أموالا معتبرة ، يشق على مثلها تركها : كان ذلك من باب الحاجة المعتبرة التي تخرج لتداركها ، وتلافي الضرر بفوتها ، والقاعدة : أن الضرر يزال ؛ لحديث أبي سَعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : ( لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ ) رواه الحاكم ( 2 / 57 - 58 ) ، ورواه ابن ماجه (2340) من حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ : ( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ ) .
واعتبار الضرر والمشقة قال به عدد من أهل العلم ، فقد أفتى عدد منهم أن المرأة إذا سافرت إلى الحج ثم توفي زوجها أنها تكمل سفر حجها إذا كان في رجوعها ضرر ومشقة .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ، ولا إلى غيره ...
وإن خرجت ، فمات زوجها في الطريق ، رجعت إن كانت قريبة ؛ لأنها في حكم الإقامة ، وإن تباعدت ، مضت في سفرها . وقال مالك : ترد ما لم تحرم . والصحيح أن البعيدة لا ترد ؛ لأنه يضر بها ، وعليها مشقة " انتهى من " المغني " (11 / 303) .

وقد سئل الشيخ جاد الحق ، رحمه الله ، عن : " امرأة توفى زوجها من مدة قريبة، وماتزال فى عدة الوفاة للآن وكانت قبل وفاته قد تقدمت بطلب لأداء فريضة الحج بموافقة الزوج كتابيا على سفرها لأداء هذه الفريضة، وقد أخرجتها القرعة ضمن المقبولين للسفر في موسم العام الحالي سنة 1401 هجرية ، وسددت الرسوم المطلوبة ." .
فأجاب جوابا مطولا ، ذكر فيه كلام خلاف أهل العلم في اشتراط المحرم للمرأة في سفر الحج ، وكلامهم في حج المرأة وهي في عدتها ، ثم قال :
" لما كان ذلك ، وكان الظاهر من السؤال أن السيدة المسئول عنها قد أذن لها زوجها فى السفر للحج ، ثم توفي ، وأنها ما تزال فى عدة وفاته ، وأنها إن قعدت للعدة فى منزله فاتها الحج، مع أنها قد سددت رسومه ومصروفاته بعد أن أخرجتها القرعة، وأنه لم يسبق لها أداء هذه الفريضة ، وكان معلوما بالعلم العام أن السفر للحج فى عصرنا، قد اقتضت مصلحة الدولة العامة تقييده بقيود، وتحديد عدد المسافرين بالقرعة، وقد يتعذر على هذه السيدة أداء هذه الفريضة فيما بعد بسبب تلك القيود ؛ وإذا كان هذا حال المسئول عنها، وهو حال اضطرار ، واعتذار ، وسنوح فرصة قلما يتيسر الحصول عليها، لاسيما وقد أذنت لها سلطات الدولة بالسفر للحج كان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج فعلا ، يجرى عليه ما قال به ابن قدامة ( المرجعان السابقان ) واحتج له بالحجة القوية المقبولة فى النص الآنف .
وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعى وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة : جاز لها المضى فيه ( المرجعان السابقان ) .
لما كان ذلك ؛ كان جائزا للسيدة المسئول عنها السفر لأداء فريضة الحج، وإن كانت فى عدة وفاة زوجها، لأن الحج آكد ، باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم ، فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه، وذلك تخريجا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعى وأحمد .
والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى من"فتاوى دار الإفتاء" (1/204) ـ الشاملة .

والذي يظهر ، والله أعلم : أن ذلك ينطبق أيضا على من دفعت تكاليف الحج بعد وفاة زوجها جهلا بالحكم الشرعي فهي معذورة بسبب جهلها ، لكن إن استطاعت استرجاع أموالها فيجب عليها ذلك وعليها القرار في بيتها حتى تنقضي عدتها .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب