الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

شك في صلاته فأعادها احتياطا ثم تبين له بطلان الأولى فهل تجزيه الثانية ؟

248621

تاريخ النشر : 09-04-2017

المشاهدات : 54347

السؤال


إذا أدى المسلم عملا ( طهارة أو صلاة أو صوما ) ثم شك في صحته فأعاده احتياطيا ثم تأكد من بطلان العمل الأول فهل يجزئه الثاني ؟ أم أنه يدخل في خلاف مسألة ( من توضأ ثم شك في الحدث فتوضأ احتياطيا ثم تيقن حدثه ) كما ذكر النووي في المجموع في كتاب الطهارة ، باب نية الوضوء، مسائل تتعلق بالنية ، المسألة الرابعة ؟ وهل يمكن الاستدلال بالحديث الذي قال النبي (صلى الله عليه وسلم ) فيه للذي أعاد :"لك الأجر مرتين" على أن الإعادة الأولى تجزئ أم لا والله تعالى أعلم.

الجواب

الحمد لله.


أولًا :
إذا شك في الحدث فتوضأ احتياطا، ثم تيقن حدثه ، فهل يجزئه وضوؤه الثاني مع أنه وقع على وجه الاحتياط لا الجزم ؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، والراجح أنه يجزئه .
وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال (208968) فليراجع .

ثانيًا :
إذا أعاد الصلاة احتياطا لشكه في صحتها ، ثم تيقن بطلان الأولى ، فهل تجزئه الصلاة الثانية عن الأولى ، مع أنها وقعت على وجه الاحتياط ، لا الجزم .
أورد الزركشي رحمه الله جملة من المسائل فيها خلاف والأصح فيها الإجزاء ، وذكر منها :
" إذَا صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَقَعَتْ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ : فَقِيَاسُ هَذِهِ النَّظَائِرِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ ، وَإِنْ أَوْقَعَهَا بِقَصْدِ النَّفْلِ.
وَبِهِ أَجَابَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
ومثله : إذا أَغْفَلَ الْمُتَوَضِّئُ لُمْعَةً فِي الْأُولَى ، فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ التَّكْرَارِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ : أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ النَّفَل...
إلى أن قال :
" التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ قِيَامِ النَّفْلِ مَقَامَ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَفْلٍ حَقِيقَةً ؛ بَلْ وَاجِبٌ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ ، وَالْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى قَصْدِ النَّفْلِ لَا أَثَرَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا حَصَلَ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ ، وَهُوَ حُصُولُ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ " انتهى من " المنثور في القواعد الفقهية " (3/306) .

ومما يؤيد صحة الصلاة الثانية ووقوعها عن الأولى ، أنه لو كان فعل الواجب على وجه الاحتياط ، لا يغني شيئا ، لما أمروا به أحدا أن يفعله ، لعدم فائدته ، حينئذ .
قال الزركشي أيضا (2/270) :
" إذا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ظُهْرًا بِنِيَّةِ الْفَائِتَةِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ، قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ : قَالَ وَالِدِي: يَجُوزُ عَنْ فَرْضِهِ الْفَائِتِ، لِأَنَّ : بِالْإِجْمَاعِ ، لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَفَرَغَ مِنْهُ، ثُمَّ شَكَّ فِي بَعْضِ فَرَائِضِهِ : " يُسْتَحَبُّ " الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، فَلَوْلَا أَنَّ الْأُولَى إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُهَا، تَقَعُ الثَّانِيَةُ عَنْ فَرْضِهِ ، لَمْ يَكُنْ لِلْإِعَادَةِ مَعْنًى .
وَبَانَ بِذَلِكَ : أَنَّ شَكَّهُ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ ، لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ فِعْلِهِ " انتهى من " المنثور في القواعد الفقهية " (2/ 270) .

وللاستزادة ينظر " المنثور في القواعد الفقهية " (2/305-311) ، و" قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (1/126) .

ثالثا :
أما الحديث المذكور في آخر السؤال ، فهو حديث أبي سعيد رضي الله عنه : خرج رجلان في سفر ، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمّما صعيداً طيباً فصلَّيَا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعدِ الآخر .
ثم أتَيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يُعِدْ : (أصَبتَ السُّنَّةَ ، وأجزأتك صلاتك ، وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين) رواه أبو داود (338) والنسائي (1/213) ، وصححه الألباني رحمه الله .

وهذا الحديث لا يصلح أن يُحتج به على مسألتنا ، بل هو في مسألة أخرى ، فهو دليل على أن الصلاة الأولى مجزئة ، وأن الاكتفاء بها هو الموافق للسنة ، وأنه لا تستحب إعادتها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" (لك الأجر مرتين) لأنه قد عمل مجتهدا متأولا ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فصار له الأجر مرتين ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأول بإعادة الصلاة ، لأن صلاته أجزأته ، ولم يوبخ الثاني، لأنه مجتهد ، والمجتهد لا يوبَّخ حتى لو أخطأ " انتهى من " شرح بلوغ المرام ".

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب