السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

لماذا يخلد الكافر في النار ولم يعش في الدنيا إلا سبعين أو ثمانين سنة ؟

255312

تاريخ النشر : 30-10-2016

المشاهدات : 55974

السؤال


بما أن الإنسان يعيش بمتوسط عمر يتراوح ما بين 70 و 80 سنة ، ولنفترض أن هذا الانسان وإن عاش أقل أو أكثر من هذا العمر كان عاصيا أو حتى كافرا، فلما يعذبه الله في الآخرة بإلقائه في جهنم خالدا فيها ؟ لما لا يعذبه على حسب السنوات التي قضاها بالدنيا؟

الجواب

الحمد لله.


أولا:
المؤمن العاصي قد يدخل النار بذنوب ه، وقد يعفو الله عنه ويتجاوز، ولا يخلد في النار بحال.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/48 .
ثانيا:
من كفر بالله عز وجل ومات على كفره ، فهو مخلد في نار جهنم أبدا، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) الأحزاب/64، 65
ولا يقال: كيف يخلد في النار ولم يعش في الدنيا إلا كذا وكذا سنة ، بل لو أن رجلا عرض عليه الإسلام فأبى فمات من فوره، فهو في النار خالدا مخلدا، وذلك أن خالقه والمنعم عليه بالحياة والعقل ، دعاه إلى أمر سهل يسير جدا، وهو ألا يشرك به شيئا، فأبى إلا أن يشرك به شيئا. دعاه أن يؤمن به وبرسوله ، فأبى إلا الكفر والعناد ، فاستحق هذا العذاب الأليم الذي لم يكن غافلا عنه، فقد جاءه النذير من ربه أنه إن لم تؤمن فمصيرك هو العذاب الأليم، فأبى واستكبر وكان من الكافرين.
وفي المقابل، لو أن رجلا عرض عليه الإيمان ، فآمن، ثم مات من فوره ، كان من أهل الجنة مخلدا فيها أبدا، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) النساء/ .122
ولا يقال: كيف يخلد في الجنة وهو لم يعبد الله إلا لحظة أو لحظات أو خمسين أو ثمانين سنة!
فحسنة التوحيد لا تساويها حسنة.
ومعصية الكفر لا تساويها معصية.
روى أحمد (12289) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ قَالَ فَيَقُولُ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي) وصححه شعيب في تحقيق المسند.

فتأملي حال هذا الكافر، فإنه ربما قدم حياته في سبيل متعة أو لهو أو مال، وهو مستعد أن يفتدي نفسه من النار يوم القيامة بكل ما يملك، وما طلب الله منه في الدنيا إلا عبادته وتوحيده، فأبى.
وروى مسلم (5270) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، ( قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا ، قَالَ : فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ : بَلَى،. قَالَ : فَيَقُولُ : أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لَا ، فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ : أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لَا ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ هَاهُنَا إِذًا ، قَالَ : ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ).

وقوله: ( أي فل ) معناه يا فلان . ( أسودك ) : أي أجعلك سيدا على غيرك ( ترأس ) أي تكون رئيس القوم وكبيرهم ( تربع ) أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها . ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا .
وقوله: ( ليعذر ) من الإعذار، والمعنى: ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.

ولا أحب إلى الله من العذر، لأنه الغفور الرحيم، ولهذا أرسل الرسل وأنزل الكتب، لئلا يكون لأحد حجة، كما قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء/15 ، وقال: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/165.
وروى البخاري (7416) ، ومسلم (2760) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ).


فدعي عنك هذه الأفكار، واحمدي الله على نعمة الإسلام، وليكن اجتهادك في الثبات على الدين، والازدياد من الطاعات لتفوزي بأعلى الدرجات.
وفقنا الله وإياك لما يحب يرضى.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب