الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حجية الإجماع وأول إجماع حدث في الإسلام

256101

تاريخ النشر : 20-05-2017

المشاهدات : 54562

السؤال

أود معرفة ما هو أول إجماع حدث في تاريخ الإسلام؟ وما هي أهمية الإجماع؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الإجماع أحد مصادر التشريع الهامة التي يجب اتباعها.

وقد عُرف الإجماع بتعريفات، والمختار قول السبكي رحمه الله في تعريفه: " وهو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان" انتهى من جمع الجامع مع شرح ولي الدين العراقي المسمى بالغيث الهامع، ص485.

وقد دل على حجية الإجماع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم 197937

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/ 115

قال ابن حزم رحمه الله: " ومن خالفه - أي الإجماع - بعد علمه به، أو قيام الحجة عليه بذلك: فقد استحق الوعيد المذكور في الآية" انتهى من مراتب الإجماع لابن حزم، ص7.

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: "الإجماع حجة مقطوع عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ" انتهى من العُدة في أصول الفقه (4/1058) .

ثانيا:

لم نقف على من نص على أول إجماع شرعي حدث في الإسلام . أو أول من حكاه ونقله .

وقد تقدم أن الإجماع هو اتفاق المجتهدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما في حياته صلى الله عليه وسلم فلا يكون الإجماع حجة.

قال الآمدي رحمه الله: "وإجماع الموجودين في زمن الوحي ، ليس بحجة في زمن الوحي ، بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من الإحكام للآمدي (1/ 109).

وعليه فقد يقال : إن أول إجماع شرعي حدث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم : هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم على وجوب تنصيب خليفة، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة لذلك، قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجمعوا على تولية الصديق رضي الله عنه.

ومن أوائل الإجماعات بعد هذا: إجماع الصحابة على قتال المرتدين، بعد معارضة عمر رضي الله عنه، ثم شرح الله صدره لرأي أبي بكر، وأجمع الصحابة على ذلك دون مخالف.

قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: "أثنى الله عز وجل على المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة، وأثنى على أهل بيعة الرضوان، فقال عز وجل: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية [الفتح: 18] .

قد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم: على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعوه ، وانقادوا له ، وأقروا له بالفضل، وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة ، من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الأمة وغير ذلك" انتهى من الإبانة عن أصول الديانة، ص66

وقال رحمه الله: "ومما يدل على إمامة الصديق رضي الله عنه أن المسلمين جميعاً تابعوه ، وانقادوا لإمامته... ثم رأينا علياً والعباس قد بايعاه ، وأجمعا على إمامته، فوجب أن يكون إماماً بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين .

ولا يجوز لقائل أن يقول : كان باطن علي والعباس خلاف ظاهرهما، ولو جاز هذا لمدعيه ، لم يصح إجماع ، وجاز لقائل أن يقول ذلك في كل إجماع المسلمين ، وهذا يسقط حجية الإجماع ، لأن الله عز وجل لم يتعبدنا في الإجماع بباطن الناس، وإنما تعبدنا بظاهرها، وإذا كان ذلك كذلك، فقد حصل الإجماع والاتفاق على إمامة أبي بكر الصديق" انتهى من الإبانة، ص66

وقال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله: "ويثبت أهل الحديث خلافة أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة ، واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، فرضيناه لدنيانا، يعني أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه، وهي الدين، فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا.

وقولهم: قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك. وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته ، بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه والله، وارتفعوا به وارتقوا" انتهى من "عقيدة السلف وأصحاب الحديث، ص290.

ونسوق هذه الفائدة في بيعة علي رضي الله عنه لأبي بكر الصديق في اليوم الأول.

قال ابن كثير رحمه الله: " قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحافظ الإسفراييني، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب، قالا: حدثنا بندار بن بشار، حدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبي هند، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال:

قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر.

قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره ؟

قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم. أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم. وأخذ بيد أبي بكر وقال: هذا صاحبكم فبايعوه. فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار.

قال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير.

قال: فدعا بالزبير فجاء.

فقال: قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين؟!

فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فبايعه.

ثم نظر وجوه القوم ، فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب ، فجاء.

فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين؟!

قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه.

هذا ، أو معناه.

وقال أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا ، الحديث فكتبته له في رقعة ، وقرأته عليه .

وهذا حديث يسوى بدنة ، بل يسوى بدرة !" انتهى من البداية والنهاية لابن كثير (5/269).

(والبدرة) كيس فيه مقدار كبير من المال، قيل : ألف أو عشرة ألاف درهم أو سبعة آلاف دينار.

المعجم الوسيط (ص43) ، القاموس المحيط (ص444) .

ثم أورد ابن كثير البيعة الثانية التي وقعت بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها ، وقال: "فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه، لأبي بكر رضي الله عنه، بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، بيعة مؤكِّدة للصلح الذي وقع بينهما، وهي ثانية، للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة ، كما رواه ابن خزيمة ، وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن علي مجانبا لأبي بكر هذه الستة الأشهر، بل كان يصلي وراءه ، ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة كما سيأتي.

وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد ، فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله ، وجعل يقول: بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي !! وعلي يضحك.

ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها ، فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر، والله أعلم" انتهى من البداية والنهاية (5/307).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: اللقاء الشهري 17