الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم الأكل من الأطعمة والذبائح التي تقدم للأضرحة

256488

تاريخ النشر : 14-01-2017

المشاهدات : 26932

السؤال

والد زوجتي خادم عند ضريح وليّ كبير، حيث تقام في جميع الأوقات الكثير من المناسبات الشبيهة بالأعراس (كعيد ميلاد وذكرى وفاة) ومولد. هذا الضريح هو ثاني أكبر الأضرحة في بنغلادش. يؤتى بالأطعمة من هذا المكان في كل الأوقات، هل يجوز تناول هذا الطعام مع علمي بأن ما يقام هنا شرك؟ أبو زوجتي يقبض راتباً من هذا العمل الذي يدفعه المسؤلون عن الضريح ولكنه لا يأخذ أية نقود أخرى(كالتي يضعها الناس في صناديق التبرعات). هل راتبه حلال؟ هو ليس بحاجة لهذا العائد المادي ، هو فقط شغوف بهذا العمل.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ما يفعله كثير من الناس من تعظيم بعض القبور وبناء المساجد عليها ورفع القباب فوقها، وإيقاد المصابيح والسرج، لا أصل له في الإسلام، بل هو مخالف للنصوص الصريحة الناهية عن ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ) رواه البخاري (4444) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها .

وقوله : ( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (3873) ومسلم (528) من حديث عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك .

وقوله حين بعث عليا رضي الله عنه : ( أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) .

وما روى مسلم (970) عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ).

 وأعظم من ذلك دعاء المقبور وسؤاله قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وتقديم النذور له والأعطيات، فهذا من الشرك الأكبر ، عياذا بالله من ذلك.

ولهذا لا يجوز العمل في خدمة هذه الأضرحة؛ لما في هذا العمل من رؤية الشرك وسماعه دون إنكار، وأقل الأحوال أن يفارق الإنسان محل المنكر؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140

ولا يحل الراتب المأخوذ على هذه الخدمة؛ لأنه أجر على عمل محرم.

فالواجب أن تنصح لوالد زوجتك أن يترك هذا العمل، وأن يجتنب الذهاب إلى مكان يشرك فيه بالله تعالى، وترتكب فيه البدع والمحدثات، ويعصى فيه الرب الجليل سبحانه وتعالى.

 ثانيا:

الأطعمة التي تقدم عند هذه الأضرحة أنواع:

1-الذبائح المنذورة لأصحاب القبور، وهذه لا يحل أكلها؛ لأنها مما أهل لغير الله.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 216): " يوجد لدينا ناس يزورون الأولياء في قبورهم وينذرون لهم بذبائح ويذكونها على نية نذورهم للولي، ويوزعونها بين جيران المقابر أو جيران القبة التي يزورونها. هل لحم الذبيحة التي هي باسم الولي أكلها حلال أم أن هذا من الذي ذكر الله فيها قوله العزيز: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ؟

الجواب: إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز الأكل من هذه الذبائح؛ لأنها مما أهل لغير الله به، وهذا العمل من الشرك الأكبر؛ لقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله   .

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

 2-الأطعمة والأموال التي تنذر لأصحاب القبور: ونذرها باطل، ويجب ردها لأصحابها إن عرفوا، وإلا تعطى للفقراء والمحتاجين، ولا تحل للخادم وغيره إن كانوا أغنياء.

جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ (محرم 1364 هجرية 25 ديسمبر 1944 م للشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله) وفيها قوله:

" المبادئ

 1 - النذر لأصحاب الأضرحة والأولياء والصالحين : باطل بالإجماع ، لأنه نذر لمخلوق ، وهو غير جائز ، لأن النذر عبادة ، وهى لا تكون لمخلوق أبدا، ولأن المنذور له ميت، والميت لا يملك.

2 - إذا ظن الناذر أن الميت يتصرف في الأمور دون الله سبحانه وتعالى ، واعتقده : كان ذلك كفرا والعياذ بالله ، إلا إذا قال : إنه ينذر لله سبحانه وتعالى إذا شفى مريضه ، أو قضيت حاجته : أن يطعم الفقراء الواقفين بباب السيدة نفيسة أو الإمام الشافعي الخ ، مما يكون فيه نفع الفقراء ، فيكون جائزا.

3 - لا يجوز صرف النذر لغنى غير محتاج ، ولا لشريف ذي منصب ، ولا لذي نسب لأجل نسبه ، ولا لذى علم من أجل علمه ، ما لم يكن كل هؤلاء فقراء.

4 - إذا كان النذر لغير الله تعالى : فهو حرام ، والمال المنذور يجب رده إلى صاحبه ، إن علم ؛ وإلا : يكون من قبيل المال الضائع الذى لا يعلم له مستحق ، فيصرف على مصالح المسلمين أو على الفقراء .

5- التنازل عن الحق في صندوق النذور باطل ، لأن الحق فيه لم يثبت شرعا حتى يمكن التنازل عنه . وعلى فرض أن له حقا فيه : فهذا من الحقوق التي لا تقبل التنازل أو التمليك ، أو التي تنتقل بالإرث .

سئل :

 سيدة لها حصة في صندوق النذور والصدقات بضريح أحد الأولياء ، قد تنازلت هذا السيدة عن هذه الحصة لأولاد بنتها. فهل يصح هذا التنازل شرعا ؟ وهل هذه الصدقات والنذور تورث ؟

أجاب :

" اطلعنا على هذا السؤال ، ونفيد بأنه قد جاء في "البحر" [ = يعني : كتاب "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي ] ، قبيل باب الاعتكاف من الجزء الثالث ، نقلا عن الشيخ قاسم : ( وفى شرح الدرر ما نصه : - وأما النذر الذى ينذره أكثر العوام ، على ما هو مشاهد ، كأنه يكون لإنسان غائب أو مريض ، أو له حاجة ضرورية ، فيأتي بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه ، فيقول : يا سيدى فلان ، إن رُدّ غائبى أو عوفي مريضي أو قُضيتْ حاجتي : فلك من الذهب كذا، من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا ، أو من الشمع كذا، أو من الزيت كذا  :

فهذا النذر باطل بالإجماع ، لوجوه :

منها : أنه نذر لمخلوق ، والنذر للمخلوق لا يجوز ، لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون للمخلوق.

ومنها : أن المنذور له ميت ، والميت لا يملك.

ومنها : أن ظن (ولعل الصواب أنه ظن) : أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى ، واعتقاده ذلك كفر ، اللهم إلا إن قال : يا ألله إني نذرت لك إن شفيت مريضي ، أو رددت غائبي ، أو قضيت حاجتي : أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة ، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي ، أو بباب الإمام الليث ، أو أشتري حصرا لمساجدهم ، أو زيتا لوقودها ، أو دراهم لمن يقوم بشعائرها، إلى غير ذلك ، مما يكون فيه : نفع للفقراء ، والنذر لله عز وجل.

وذكر الشيخ ، إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده أو جامعه ، فيجوز بهذا الاعتبار ؛ إذ مصرف النذر الفقراء ، وقد وجد المصرف .

ولا يجوز أن يصرف ذلك لغنى غير محتاج ولا لشريف ذي منصب ، لأنه لا يحل له الأخذ ، ما لم يكن محتاجا فقيرا ، ولا لذى النسب لأجل نسبه ، ما لم يكن فقيرا ، ولا لذى علم لأجل علمه ، ما لم يكن فقيرا.

ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء ؛ للإجماع على حرمة النذر للمخلوق .

ولا ينعقد ، ولا تشغل الذمة به ، ولأنه حرام ، بل سحت .

ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه ، ولا أكله ، ولا التصرف فيه بوجه من الوجوه ؛ إلا أن يكون فقيرا ، أو له عيال فقراء عاجزون عن الكسب ، وهم مضطرون ، فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة، فأخذه أيضا مكروه ، مالم يقصد به الناذر التقرب إلى الله تعالى ، وصرفه إلى الفقراء ، بقطع النظر عن نذر الشيخ.

فإذا علم هذا : فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين مالم يقصدوا صرفه للفقراء الأحياء قولا واحدا انتهى –

والظاهر لنا أن هؤلاء العوام ، وإن قالوا بألسنتهم إني نذرت لله ، أو تصدقت لله : فمقصدهم في الواقع ونفس الأمر : إنما هو التقرب إلى الأولياء والصالحين ، وليس مقصدهم التقرب إلى الله تعالى وحده ، ولم يبتغوا بذلك وجهه .

ولقد صدق حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعة رحمه الله تعالى إذ يقول في رسالته التي ألفها في النذور وأحكامها : ما أشبه ما يقدمون من قربان ، وما ينذرون من نذور ، وما يعتقدون في الأضرحة وساكنيها : بما كان يصنع المشركون في الجاهلية ، وما يغنى عنهم نفى الشرك عنهم بألسنتهم ؛ وأفعالُهم تنبئ عما يعتقدون ، من أن هؤلاء الأولياء لهم نافعون ، ولأعدائهم ضارون انتهى .

وقد جاء في (سبل السلام شرح بلوغ المرام) ما نصه :

وأما النذور المعروفة في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات : فلا كلام في تحريمها ، لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر ، ويجلب الخير ويدفع الشر ، ويعافى الأليم ويشفى السقيم ؛ وهذا هو الذى كان يفعله عباد الأوثان بعينه ، فيحرم ، كما يحرم النذر على الوثن ، ويحرم قبضه ، لأنه تقرير على الشرك ، ويجب النهى عنه ، وإبانة أنه من أعظم المحرمات ، وأنه الذى كان يفعله عباد الأصنام.

لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا . انتهى .

وجاء في الروضة الندية وشرحها :

ومنه ـ أي من النذر غير الصحيح ـ : النذر على القبور ، لكون ذلك ليس من النذر في الطاعة ، ولا من النذر الذى يبتغى به وجه الله تعالى ، بل قد يكون من النذر في المعصية ، إذا كان يتسبب عنه اعتقاد فاسد في صاحب القبر ، كما يتفق ذلك كثيرا . انتهى .

ولو عبر صاحب الروضة بقوله : بل هو نذر في المعصية ، إذ يتسبب عنه اعتقاد فاسد في صاحب القبر ، لكانت العبارة أوفى بما هو الواقع عند العوام .

وقد أطال القول في ذلك الشوكاني في رسالته المسماة : "شرح الصدور في تحريم رفع القبور" ، ولولا خشية الملل لذكرناه. وما ذكرناه فيه الكفاية.

مما ذُكر : يتبين أن نذر العوام لأرباب الأضرحة ، أو التصدق لهم تقربا إليهم ، وهو ما يقصده هؤلاء الجهلة ، مما ينذرونه أو يتصدقون به : حرام بإجماع المسلمين ، والمال المنذور أو المتصدق به : يجب رده لصاحبه ، إن عُلم.

فإن لم يُعلم فهو من قبيل المال الضائع الذى لا يُعلم له مستحق ، فيصرف على مصالح المسلمين، أو على الفقراء، ولا يتعين فقير بصرفه إليه ، فليس لفقير معين ، ولو كان خادما للضريح ، أو قريبا لصاحبه = حق فيه قبل القبض. ومن قبض منهما شيئا ، وكان فقيرا : فإنما تملكه بالقبض .

ولا يجوز لغني أن يتناول منه شيئا ؛ فإذا تناول منه شيئا : لا يملكه ، ووجب رده على مصارفه .

ومن هذا يُعلم أنه ليس للمتنازلة المذكورة حق فيما يوضع في الصندوق المذكور من الأموال ، فإذا تنازلت : فإنما تتنازل عن شيء لم يثبت لها شرعا.

وعلى فرض أن لها حقا فيه ، فليس هذا الحق من الحقوق التي تقبل التنازل والتمليك ، أو التي تنتقل بالإرث عنها لورثتها.

وبهذا علم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى. من "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (3/770-773) .

3-النوع الثالث: الأطعمة والأموال التي يتصدق بها على الزائرين للأضرحة: وهذه تحل لمن أعطيت له، ويجوز له ولأهله أو ضيفه الأكل منها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب