السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

هل كفر الماتريدية الأشاعرة ؟

257436

تاريخ النشر : 30-04-2017

المشاهدات : 34533

السؤال

هل صح أن الماتريدية كفروا الأشاعرة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأشاعرة: فرقة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله .

وقد ذكر بعض المؤرخين : أن الأشعري قد مر بثلاث مراحل - كما ذكر ذلك ابن كثير والزبيدي وغيرهما-:

مرحلة الاعتزال، ثم متابعة ابن كلاب، ثم موافقة أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل .

وأيا ما كان الأمر : هل مر الأشعري بمرحلتين أو ثلاث مراحل : فالذي يعنينا هنا : أن الأشعري نفسه قد صرح بهذا الموقف الأخير – متابعته للإمام أحمد ، ولزومه مذهب أهل الحديث - في كتابيه: مقالات الإسلامين، والإبانة.

وعليه : فمن تابع الأشعري على هذه المرحلة، فهو موافق لأهل السنة والجماعة في "مجمل مقالاتهم".

ومن لزم طريقته في المرحلة الكلابية : فقد خالف أهل السنة في العديد من مقالاتهم ، وخالف ما صرح به الأشعري نفسه في هذين الكتابين ، وفي غيرهما من الكتب المذكورة عنه ، كالموجز وغيره .

وينظر: جواب السؤال رقم (226290).

ثانيا :

أما الماتريدية فهي: فرقة تنسب إلى أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة 333، ولهم أصول خالفوا فيها أهل السنة والجماعة.

وانظر: جواب السؤال رقم (205836).

وخلاف الأشاعرة مع الماتريدية محصور في مسائل ، أوصلها السبكي إلى ثلاث عشرة مسألة، منها ست الخلاف فيها معنوي، وسبع الخلاف فيها لفظي، وتبعه على ذلك، الزبيدي، والمقريزي، وأوصلها البياضي إلى خمسين مسألة.

وينظر: طبقات الشافعية (3/ 378)، وإتحاف السادة المتقين (2/ 8)، الخطط (2/ 359)، إشارات المرام للبياضي، ص53- 56 ، نظم الفرائد ، لشيخ زاده .

ثالثا:

من مسائل الخلاف بين الفرقتين التي اعتبرتها الماتريدية كفرا:

1-مسألة خلق الإيمان.

2-مسألة الاستثناء في الإيمان.

3-ما يتعلق بصفة التكوين.

1-أما مسألة خلق الإيمان:

فقالت الأشاعرة: إن الإيمان مخلوق، وقالت الماتريدية: إنه غير مخلوق، وكفروا من قال إنه مخلوق.

قال شيخ زاده في نظم الفرائد (ص44) : "يجب أن يُعلم أن الإيمان غير مخلوق عندنا .

وذهب المشايخ من الأشاعرة إلى أن الإيمان مخلوق ، كما في شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ، والشرح الكبير للإمام اللقاني، وغيره. وإلى هذا مال بعض مشايخنا...

فائدة: في فتاوى الإمام الكردري: قال الإمام محمد بن الفضل [قاضيخان]: من قال الإيمان مخلوق لا تجوز الصلاة خلفه.

ووقعت هذه المسألة بفرغانه، فأُتي بمحضر عنها إلى بخارى، فاتفقوا على أنه غير مخلوق، والقائل بخلقه: كافر" انتهى.

 2-وأما مسألة الاستثناء في الإيمان:

فإن الأشاعرة يستثنون في الإيمان، على اعتبار أن الإيمان ما يوافي العبدُ به ربه، وهذا غير معلوم للعبد في الدنيا، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله.

والماتريدية يمنعون الاستثناء، ويرونه شكا، وصرح بعضهم بكفر المستثني، وترتب عليه منع الشافعي الأشعري من الزواج من الحنفية الماتريدية.

قال ابن الهمام في فتح القدير (3/ 230) :" وقال الرُّستغفني : لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال و[قال] الفضل: ولا من قال: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه كافر ، ومقتضاه منع مناكحة الشافعية ، واختلف فيها هكذا ، قيل يجوز ، وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته .

ولا يخفى أن من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، فإنما يريد إيمان الموافاة صرحوا به. يعنون الذي يقبض عليه العبد ، لأنه إخبار عن نفسه بفعل في المستقبل أو استصحابه إليه ، فيتعلق به قوله تعالى: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله .

وعلى هذا فيكون قوله: إن شاء الله شرطا لا كما يقال: إنه لمجرد التبرك .

وكيف كان : لا يقتضي ذلك كفره، غير أنه عندنا خلاف الأولى؛ لأن تعويد النفس بالجزم في مثله ليصير ملكة : خير من إدخال أداة التردد ، في أنه : هل يكون مؤمنا عند الموافاة أو لا ؟" انتهى.

وينظر: البحر الرائق (3/ 110).

وفي الفتاوى الهندية (2/ 257): " من شك في إيمانه ، وقال : أنا مؤمن إن شاء الله : فهو كافر ؛ إلا إذا أَوّل ، فقال : لا أدري ؛ أَخْرُجُ من الدنيا مؤمنا ؟ فحينئذ لا يكفر .

ومن قال بخلق القرآن ، فهو كافر ، وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر" انتهى.

وقال التقي السبكي في فتاواه (1/ 53): " وبعدُ ؛ فقد علمتُ ما ذكرتَه وفقك الله ، من أن جماعة من الحنفية في هذا الزمان تكلموا في مسألة "أنا مؤمن إن شاء الله" ، وقالوا: إن الشافعية يكفرون بذلك..." انتهى.

3-وأما صفة التكوين:

فإن الأشاعرة، يقولون: إن صفات الأفعال حادثة، وإن التكوين هو عين المكوَّن.

وأما الماتريدية فيقولون: إن التكوين صفة أزلية، وهي غير المكوَّن الحادث.

وقد صرح الماتريدية بأن نفي التكوين، والزعم بأن الخلق هو المخلوق، يلزم منه الكفر ، وهو تعطيل الصانع، وأن العالَم ليس مخلوقا لله.

قال أبو المعين النسفي: "وقول أكثر المعتزلة وجميع النجارية والأشعرية: أن التكوين والمكوَّن واحد: قول محال؛ وهذا لأن القول باتحاد التكوين والمكون ، كالقول بأن الضرب هو المضروب، والكسر عين المكسور، والأكل عين المأكول ؛ وفساد هذا ظاهر يعرف بالبديهة، فكذا هذا .

ولأن التكوين لو كان هو المكوَّن، وحصول المكوَّن بالتكوين، لكان حصولُ المكوَّن بنفسه ، لا بالله تعالى، فلم يكن الله تعالى خالقا للعالم، بل كان العالم وكل جزء من أجزائه خالقا لنفسه؛ إذ حصوله بالخَلْق، وخلقُه : نفسُهُ، وكذا يكون عينه خالقا ، وعينه مخلوقا، فهو الخالق وهو الخلق وهو المخلوق .

وهذا مع ما فيه من تعطيل الصانع وإثبات الغنية عنه، وإبطال تعلق المخلوقات به، مع هذا كله محال".

إلى أن قال: "ولأن التكوين لو كان هو المكوَّن ، لم يكن من الله تعالى إلى العالَم شيء يوجب كونه خالقا للعالم، وكونَ العالم مخلوقا له ، سوى أن ذات الباري أقدم من العالم . وكون ذات أقدمَ من غيره، لا يوجب كون الثاني مخلوقا للأول ، إذا لم يكن منه فيه صنع . أو لأن لله تعالى قدرةً على العالم، وثبوت القدرة ، لا يوجب حصول المقدور، ما لم يحصّله القادر .

فيكون في القول به إخراج الله تعالى من أن يكون خالقا للعالم، وإخراج العالم من أن يكون مخلوقا لله تعالى، والقولُ به : كفر" انتهى من التمهيد للنسفي ص 29 .

وانظر: تبصرة الأدلة، ص428.

ولا يخفى أن هذا تكفير باللازم، لكن المقصود أن الماتريدية يرون هذا القول الذي قالت به الأشعرية : يلزم عليه الكفر.

وقد قدمنا في جواب السؤال رقم (254047) ، أن الأشاعرة لا يكفرون وإن قالوا ببعض المقالات التي هي كفر.

والتكفير أمره عظمه، وخطره كبير، والأصل عذر المتأول والمقلد ، من أهل القبلة .

وما يقع في مثل هذه المقامات الجدلية : كثير منه يكون مراده إلزام الخصم ، وإبطال قوله ، والتشنيع عليه ، لا حقيقة الحكم بتكفيره ، لا سيما المعين من المخالفين .

قال ابن الهمام ، بعد ما تقدم نقله عنه ، في حكم من قال : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) :

" وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَإِنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ .

بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ الْقَوَاطِعَ الْمَعْلُومَةَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ، مِثْلُ الْقَائِلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ ، وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ ، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ. وَأَقُولُ : وَكَذَا الْقَوْلُ بِالْإِيجَابِ بِالذَّاتِ، وَنَفْيِ الِاخْتِيَارِ. " انتهى، من "فتح القدير" (6/397) .

ويعني بقوله : " بخلاف .. " أصحاب هذه المقالات الكفرية ، من الفلاسفة المشائين .

وقال ابن نجيم : " وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ : لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ .

وَقَالَ الْفَضْلُ : لَا يَجُوزُ بَيْنَ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ .

وَمُقْتَضَاهُ : مَنْعُ مُنَاكَحَةِ الشَّافِعِيَّةِ .

وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَكَذَا، قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَتَزَوَّجُ بِنْتَهمْ ، وَلَا يُزَوِّجُهُمْ بِنْتَه . وَعَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ : تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ .

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْوَتْرِ وَالنَّوَافِلِ إيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ : غَلَطٌ .  وَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ ؛ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ : فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا قَدَّمْنَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ " انتهى ، من "البحر الرائق" (3/110) .  

ثالثا:

أهل السنة لا يقولون في الإيمان إنه مخلوق ، أو غير مخلوق، لأن هذا أمر محدَث .

ولأن الإيمان يشتمل على المخلوق- وهو فعل العبد- ، وغير المخلوق وهو المؤمَن به ، كقول: لا إله إلا الله، فلا يصح الإطلاق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما الإيمان: هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟

فالجواب : أن هذه المسألة نشأ النزاع فيها لما ظهرت محنة الجهمية في القرآن: هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ وهي محنة الإمام أحمد وغيره من علماء المسلمين ، وقد جرت فيها أمور يطول وصفها هنا .

لكن لما ظهر القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأطفأ الله نار الجهمية المعطلة، صارت طائفة يقولون: إن كلام الله الذي أنزله مخلوق، ويعبرون عن ذلك باللفظ، فصاروا يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، أو تلاوتنا ، أو قراءتنا : مخلوقة .

وليس مقصودهم مجرد كلامهم وحركاتهم، بل يدخلون في كلامهم نفس كلام الله ، الذي نقرأ بأصواتنا وحركاتنا.

وعارضهم طائفة أخرى فقالوا: ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة .

فرد الإمام أحمد على الطائفتين وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق : فهو جهمي . ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع.

وتكلم الناس حينئذ في الإيمان ، فقالت طائفة: الإيمان مخلوق، وأدرجوا في ذلك ما تكلم الله به من الإيمان ، مثل: قول لا إله إلا الله .

فصار مقتضى قولهم أن نفس هذه الكلمة مخلوقة ، ولم يتكلم الله بها، فبدع الإمام أحمد هؤلاء، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله أفيكون قول لا إله إلا الله مخلوقا؟!

ومراده : أن من قال: هي مخلوقة مطلقا، كان مقتضى قوله: إن الله لم يتكلم بهذه الكلمة، كما أن من قال: إن ألفاظنا وتلاوتنا وقراءتنا للقرآن مخلوقة، كان مقتضى كلامه أن الله لم يتكلم بالقرآن الذي أنزله، وأن القرآن المنزل ليس هو كلام الله، وأن يكون جبريل نزل بمخلوق ليس هو كلام الله...

والمقصود هنا : أنه نشأ بين أهل السنة والحديث النزاع في " مسألتي: القرآن والإيمان " بسبب ألفاظ مجملة ومعاني متشابهة.

وطائفة من أهل العلم والسنة: كالبخاري صاحب الصحيح، ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما قالوا: الإيمان مخلوق؛ وليس مرادهم شيئا من صفات الله. وإنما مرادهم بذلك أفعال العباد .

وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أفعال العباد مخلوقة. وقال يحيى بن سعيد القطان: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة.

وصار بعض الناس يظن أن البخاري وهؤلاء خالفوا أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة ، وجرت للبخاري محنة بسبب ذلك" انتهى من مجموع الفتاوى (7/ 655- 658).

 رابعا:

الاستثناء في الإيمان، يجوز باعتبارات عدة، ليس منها الموافاة التي قالت بها الأشاعرة، وإنما باعتبار أن الإيمان قول وعمل، وقد جئنا بالقول ، ولم نأت بالعمل على تمامه، ومنها ترك تزكية النفس، ومنها أن المشيئة يؤتى بها في الأمور المتحققة كما في قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) الفتح/27

وانظر: جواب السؤال رقم (2689).

 خامسا:

الله عز وجل متصف بصفة الخلق، كما دلت عليه النصوص، وهي صفة فعلية اختيارية، فيخلق الله ما شاء متى شاء، خلق العرش، ثم خلق السموات والأرض في ستة أيام، ويبقى في الجنة فضل فينشئ الله خلقا فيسكنهم جنته، كما روى البخاري (7384) : (... وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ).

وهذا كما ترى مخالف لما عليه الماتريدية والأشاعرة؛ فإن التكوين عند الماتريدية صفة أزلية لا تتعلق بالمشيئة، والأشاعرة لا يثبتون التكوين أصلا، ويرون إيجاد الموجودات بالقدرة القديمة وتعلقاتها الحادثة، وهي تعلقات اعتبارية لا تقوم بذات الله تعالى.

وللوقوف على مسائل الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية، ينظر:

http://www.dorar.net/enc/firq/438

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب