الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم العمل في خدمة الأضرحة

258319

تاريخ النشر : 10-02-2017

المشاهدات : 11056

السؤال

والدي موظف على دائرة الاوقاف وهو يعمل بصفة خادم في ضريح مرقد ما حكم المرتب الشهري ؟ وأنا ماذا أفعل إذا كنت عاطل عن العمل وليس عندي دخل؟ علما أني لا أرضى بهذا العمل. وأنا لا آخذ منه المصروف ولكن آكل وأشرب من أكل البيت؟ وكذلك يعمل عرافا ويأخذ المال لقاء عمله وقد نصحته مرارا ولم يأخذ بكلامي لأن عقيدته صوفية . والأمر الثاني أن هذا المرقد تم تدميره ولم يبقى منه الا المسجد التابع لهذا الضريح وتم نقل والدي للعمل في هذا المسجد هل يبقى الراتب حرام أم ماذا

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا إدخال القبور في المساجد، ولا تشييدها، ولا تجصيصها، ولا إيقاد المصابيح والسرج فيها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذه محرمات منهي عنها في نصوص صحيحة صريحة.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ) رواه البخاري (4444) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها .

 وقوله : ( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) : رواه البخاري (3873) ومسلم (528) من حديث عَائِشَةَ : أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك .

 وقوله حين بعث عليا رضي الله عنه : ( أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) .

 وروى مسلم (970) عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ).

 وهذه المنكرات أدت إلى ما هو أعظم من ذلك، من الافتتان بأصحاب القبور، ودعائهم من دون الله، وتقديم الذبائح لها والنذور.

 ولا يجوز العمل في خدمة هذه الأضرحة؛ لما في هذا العمل من مشاهدة المنكر وإقراره والإعانة عليه، وقد قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140

 ولا يحل الراتب المأخوذ على هذه الخدمة؛ لأنه أجر على عمل محرم.

 قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله -عز وجل- من الكنائس أو الأضرحة، أو غير ذلك لأنه بذلك يكون مقرًّا للباطل ومعينًا لأصحابه عليه، وعمله محرم ، فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل، وما أخذه من الأجر في مقابل هذا العمل كسب محرم، فعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.

ولو تصدق بهذا المبلغ الذي حصل عليه : لكان أبرأ لذمته ، ويكون دليلًا على صحة ندمه وتوبته.

فالحاصل: أن المسلم لا يجوز له أن يكون معينًا لأهل الباطل، ولا يكون أجيرًا في أماكن الشرك ومواطن الوثنية كالكنائس والأضرحة وغير ذلك من أعمال الكفار والمشركين، لأنه بذلك يكون عونًا لهم على الباطل، ومقرًّا لهم على المنكر، ويكون كسبه حرامًا والعياذ بالله" انتهى من فتاوى الشيخ الفوزان (2/ 720).

 ثانيا:

لا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر، بل يزال الطارئ منهما.

قال ابن القيم رحمه الله: " وعلى هذا: فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق . فلو وضعا معا : لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ، ولا يجوز .

ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجا، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى " انتهى من "زاد المعاد" (3/ 500).

والظاهر من سؤالك أن الضريح كان إلى جوار المسجد، وقد أزيل الآن، وانتقل والدك للعمل في المسجد، وهذا لا حرج فيه، كما لا يخفى. ولا يضر كون المسجد تابعا للضريح، فالمساجد بيوت الله، وليست تابعة لأحد، والمهم زوال المنكر، وعدم الإعانة عليه.

ثالثا:

يحرم العمل في العرافة أو الكهانة،  ويحرم أخذ المال على ذلك، ولا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ

أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم (2230).

 وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 5939).

 والكاهن: هو الذي يخبر بالأمور الماضية، والعراف: من يخبر بالأمور المستقبلة، وكلاهما كاذب على الله تعالى، مقتحم ما ليس له من ادعاء معرفة الغيب.

 وروى البخاري (2237) ومسلم (2121) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ َسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ) .

 قال النووي رحمه الله : " وأما حلوان الكاهن : فهو ما يُعطاه على كهانته " انتهى من شرح مسلم (10/231) .

 فالواجب مواصلة النصح لوالدك، ودعوته بالرفق واللين، ليدع هذا الأمر المنكر.

 ثالثا:

لا حرج على الابن في أخذه من مال أبيه الذي يكسبه من الحرام؛ لأن المال المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، على الراجح، بخلاف المال المحرم لعينه كالمسروق والمغصوب.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45018).

فإن اختلط هذا الحرام براتبه الحلال أو بمال آخر حلال : كان الأمر أهون وأيسر.

وإن استغنيت عن ماله، واقتصرت على قدر الحاجة، فهو أولى.

ونسأل الله أن يهدي والدك ويصلح حال وأحوال المسلمين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب