الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

حكم من أنكر وجود الجن ، وحكم الصلاة خلفه .

260842

تاريخ النشر : 17-01-2017

المشاهدات : 59157

السؤال

هل يجوز الصلاة مع شخص لا يؤمن بوجود الجن ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

دلت الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة على أن الله عز وجل خلق الجن ، وأنهم مكلفون بالأوامر والنواهي ، فمنهم كافر ومنهم مؤمن ، وأنهم يحاسبون يوم القيامة ، وأنهم يصيرون إما إلى الجنة أو إلى النار ، كحال الإنس تماما .

قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات / 56 .

وقال تعالى : (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) الأنعام / 130 .

وعدم رؤيتنا لهم لا ينفي وجودهم ، فقد جعل الله لهم خاصية الاختفاء ، قال سبحانه وتعالى  ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) الأعراف / 27 .

وأخبر سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن فقال تعالى : ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) الحجر/27 ، وقال تعالى : ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) الرحمن / 15 .

وفي الحديث عن عائشة عن النبي قال : ( خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم (5314) .

وأنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة في كتابه ، تتكلم عن الجن .

ولذلك فلا يوجد في طوائف المسلمين من ينكر وجود الجن ، بل حتى الكفار من اليهود والنصارى يؤمنون بوجودهم .

ولم ينكر وجودهم إلا بعض الملاحدة الشُّكَّاك ، الذين يختلقون الافتراضات والتخرصات والتخيلات في كل شيء ، فليس عندهم إلا مجرد التجويز والإمكان ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) الأنعام/116

ومع ذلك فقد كان كبار هؤلاء الملاحدة يثبتون وجود الجن ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم :

” وكل ما ينفونه من هذا ليس معهم فيه إلا الجهل المحض ، فهم يكذبون بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله .

مع أن عامه أساطين الفلاسفة كانوا يقرون بهذه الأشياء ، وكذلك أئمة الأطباء كأبقراط وغيره : يقر بالجن ، ويجعل الصرع نوعين : صرعا من الخِلْط ، وصرعا من الجن ” انتهى من “الرد على المنطقيين” (ص470) .

وقال ابن تيمية أيضا :

” لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ، ولا في أن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم . وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن .

أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى : فهم مقرون بهم ، كإقرار المسلمين … ، وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء ، تواترا معلوما بالاضطرار .

ومعلوم بالاضطرار : أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ، بل مأمورون منهيون ، ليسوا صفاتٍ وأعراضا قائمة بالإنسان أو غيره ، كما يزعمه بعض الملاحدة…

ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ، ولم ينكروا وجود الجن ، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا ، وإن كانوا مخطئين في ذلك” ، انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/10) .

وقال الشبلي رحمه الله :

” وَلم يُنكر الْجِنّ الا شرذمة قَليلَة من جهال الفلاسفة والأطباء وَنَحْوهم .

أما أكَابِر الْقَوْم : فالمأثور عَنْهُم : إِمَّا الْإِقْرَار بهم ، وَإِمَّا أَلا يحْكى عَنْهُم قَول فِي ذَلِك .

وَأما الْمَعْرُوف عَن أبقراط أَنه قَالَ ، فِي بعض الْمِيَاه : إِنَّه ينفع من الصرع ؛ لست أَعنِي الصرع الَّذِي يعالجه أَصْحَاب الهياكل [= يعني به : صرع الجن ، الذي يعالجه أصحاب الهياكل ] ، وَإِنَّمَا أَعنِي الصرع الَّذِي تعالجه الْأَطِبَّاء .

وَأَنه قَالَ : طبنا مَعَ طب أهل الهياكل ، كطب الْعَجَائِز مَعَ طبنا !!

وَلَيْسَ لمن أنكر ذَلِك حجَّة يعْتَمد عَلَيْهَا تدل على النَّفْي ، وَإِنَّمَا مَعَه عدم الْعلم ؛ إِذ كَانَت صناعته لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على ذَلِك .. ” انتهى من “آكام المرجان” (22) .

وينظر جواب السؤال (2340) ، (20666) .

ثانيا :

ثبت وجود الجن حسا وواقعا ثبوتا ضروريا ، وأخبارهم ذائعة سائرة يعلمها كل الناس ، وأخبرنا الله عز وجل عنهم في كتابه ، وقص علينا من أخبارهم وعن بداية خلقهم ومم خلقوا ؟ وكيف كفر أبوهم إبليس بالله عز وجل وأبى واستكبر ؟ ثم أخبر عن إغوائه لأبي البشر آدم عليه السلام ، ثم أهبطهما إلى الأرض ، وجعل الشياطين فتنة للناس .

وأخبر سبحانه بأن منهم مؤمنين ، ومنهم كافرين ، ومنهم من كان مستخدما مسخرا عند نبي الله سليمان عليه السلام .

وأخبر سبحانه أن منهم مَن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من كفر .

وأخبر سبحانه أن الكفرة منهم مسلطون على بني آدم لإغوائهم ، وأنهم يوسوسون لهم ليصدوهم عن دين الله… إلى غير ذلك من أخبارهم الكثيرة في الكتاب والسنة .

والذي يكذب القرآن ، ويرد ما أخبر الله تعالى به في كتابه من خلق الجن ووجودهم ، فإن كان مكلَّفاً يدري ما يقول فقد خرج من ملة الإسلام ، وكفر باعتقاده ذلك ، ومثله لا تصح منه صلاة ولا صيام ، ولا يُصلَّى خلفه جمعة ولا جماعة ، ولا فرض ولا نفل ، حتى يراجع دين الإسلام ؛ لأن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة كفر .

قال الشيخ صالح الفوزان ، حفظه الله :

” إنكار وجود الجن كفر وردة عن الإسلام؛ لأنه إنكار لما تواتر في الكتاب والسنة من الأخبار عن وجودهم، فالإيمان بوجودهم من الإيمان بالغيب؛ لأننا لا نراهم وإنما نعتمد في إثبات وجودهم على الخبر الصادق؛ قال تعالى في إبليس وجنوده: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [الأعـرَاف: 27].

أما إنكار دخولهم في الإنس : فلا يقتضي الكفر؛ لكنه خطأ وتكذيب لما ثبت في الأدلة الشرعية والواقع المتكرر وجوده. لكن لخفاء هذه المسألة لا يُكَفَّر المخالف فيها ولكن يُخَطَّأ؛ لأنه لا يعتمد في إنكار ذلك على دليل ، وإنما يعتمد على عقله وإدراكه؛ والعقل لا يتخذ مقياسًا في الأمور الغيبية، وكذلك لا يكون العقل مقدمًا على أدلة الشرع إلا عند أهل الضلال” انتهى

وقال الشيخ عبد الله الغنيمان ، حفظه الله :

” بعض الناس اليوم ينكر وجود الجن، وإنكار وجود الجن كفر وخروج من الإسلام؛ لأنه أمر تواترت عليه كتب الله، وكذلك جاءت به آثار الرسل” انتهى ، من “شرح فتح المجيد” ـ الشاملة .

ويبعد أن يجهل هذا مسلم ، أو يعتقد خلافه ، مع اشتهار أمره ، وتواتر النصوص به في الكتاب والسنة .

فإن قدر أن هذا الشخص ، أو غيره ، ينكر مثل ذلك ، أو يجهله ، فإنه يبين له ، وتقام عليه الحجة ، وتزال شبهته ؛ فإن أصر على إنكار وجود الجن ، بعد البيان : فهو كافر ، مرتد عن دين الإسلام.

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :

” فالإيمان بالجن واجب؛ الإيمان بوجودهم وبما أخبر الله – عز وجل – عنهم من صفتهم في كتابه، وبما صحّ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم .

فمن أنكر وجود الجن كفر لأنه كذَّبَ القرآن، فَيُعَرَّف -إذا كان مثله يجهل- يُعَرَّفْ بما جاء في القرآن من الآيات، فإذا كذب بوجود الجن مع ذكرهم في القرآن فإن تكذيبه يعود إلى إنكار وجحد القرآن فيكون كافراً بذلك.” انتهى ، من “شرح الطحاوية” (323) ـ نسخة الشاملة .

ومن علم من شخص أنه ينكر وجود الجن : لم يحل له أن يصلي خلفه ، إلا أن يرجع عن ضلالته ، ويتوب إلى الله جل جلاله .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (153492) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب