الحمد لله.
أولا:
يجوز أخذ نسبة من التبرعات مقابل جمعها ، إذا كان هذا بعلم المتبرع وإذنه . وهذا فيما إذا كان التبرع : من باب صدقة التطوع .
وإذا كان بعلم المتبرع ، فكأنه بدلا من أن يتبرع بـ(100) ، تبرع بـ (90) ، وأعطى الـ(10) للقائم على جمعها ، وتوزيعها . وهذا لا إشكال فيه .
جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "لا يجوز للقائمين على جمع التبرعات من المحسنين لصرفها في الوجوه الخيرية، أن يُعْطُوا منها شيئًا للموظفين لديهم ، أو لمن يقومون بجمعها من المحسنين المتبرعين؛ لأن المتبرعين دفعوها لهم لإيصالها إلى مستحقيها ، أو صرفها في أعمال البر .
فهم يعتبرون وكلاء للمتبرعين في إيصال الأموال إلى من خصصت له ؛ والوكيل لا يتصرف إلا في حدود ما أذن له فيه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان . الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان . الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ . الشيخ عبد الله بن محمد بن خنين . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ" انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (1/608) المجموعة الثالثة.
ثانيا :
وأما الأخذ من التبرعات دون إذن المتبرع، ففيه خلاف، والراجح أنه يعطى ما لا يزيد عن أجرة مثله ، إذا تعذر من يعمل بذلك مجانا ، وخيف فوات المصلحة من ذلك .
جاء في القرار السادس من الدورة العاشرة للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بشأن الاستفتاء الوارد من لجنة الإغاثة الدولية الإسلامية بأمريكا الشمالية...
"السؤال الثاني: هل يعطى القائمون بالعمل نسبة من الدخل، لا تزيد عن 51%، لغرض المعيشة، ومتابعة العمل؟
... قرر المجلس بالنسبة للسؤال الثاني ما يلي: أنه لا مانع من أخذ نسبة معينة، إلا أنه يرى ألا تحدد تلك النسبة، وإنما تكون أجرة المثل، أو أقل من أجرة المثل، وتدفع لهم بقدر عملهم، لأن هذا المال إنما هو لإعانة المنكوبين، وإغاثة الملهوفين، فلا يجوز صرفه إلا لمن بذل من أجله، واتصف بالوصف الذي بذل هذا المال من أجل الاتصاف به .
وأما العامل عليه فإنه يعطى مقدار عمله، كما جاز ذلك في الأخذ من الزكاة المفروضة للعاملين عليها.
وذلك بعد التأكد من أنه لا يوجد أشخاص- يمكن أن يقوموا بهذا العمل- متبرعين" انتهى.
ثالثا :
إذا كان المال (زكاة)، وكانت النسبة المذكورة ، من جملة الزكاة الواجب إخراجها : فيشترط أن يكون الجامع أهلا للزكاة ، لكونه فقيرا ، أو مسكينا ، أو غارما، فيعطى من ذلك ، لأجل حاجته ، كما يعطى غيره من المستحقين ، على قدر حاجاتهم .
ولا يجوز أن يعطى من الزكاة ، من سهم (العاملين عليها) ؛ لأن هذا مختص بمن جعلهم الإمام على أمر جمع الزكاة.
وإنما يعطيه صاحب المال ، أجرته ، أو جعالته : من خارج القدر الواجب عليه في الزكاة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) : هم الذين أقامهم الإمام ، أي ولي الأمر، لقبض الزكاة ، وتفريقها فيهم . وهم عاملون عليها، أي: لهم ولاية عليها.
وأما (الوكيل الخاص) لصاحب المال ، الذي يقول له: يا فلان خذ زكاتي ، ووزعها على الفقراء: فليس من العاملين عليها؛ لأن هذا وكيل، فهو عامل فيها، وليس عاملاً عليها" انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وسئل رحمه الله: "العاملين في الجمعية هل يعطون من أموال الزكاة؟
فأجاب: العاملين إذا كانوا منصوبين من قبل الدولة.
فقال السائل: لكن من الجمعية محاسب راتبه ما يكفيه؟
فقال الشيخ: لا يمكن إلا من جهة الدولة؛ لأن العاملين عليها هم العاملون من قبل الدولة، من قبل ولي الأمر، ولهذا جاء حرف الجر "عليها"، ولم يقل "فيها"، إشارة إلى أنه لابد أن تكون لهم ولاية، ولا ولاية لهم إلا إذا أنابهم ولي الأمر منابه" انتهى من لقاء الباب المفتوح (141/13).
رابعا :
إذا كان أخوك قد أخذ ما لا يستحقه، فالواجب عليه التوبة إلى الله تعالى، ورد المال ، وصرفه إلى مستحقيه، ولا تتم توبته إلا بذلك.
وينبغي إغلاق هذا الباب - أخذ نسبة من التبرعات- بالكلية ؛ إلا مع وجود جهة مشرفة، تقدر أجرة المثل، وتعطيها لجامع التبرعات.
ومن كانت نفسه تضعف أمام فتنة المال ، فلينأَ بنفسه عن جمع التبرعات، سدا لذريعة الوقوع في المحذور ؛ فإن المال فتنة عظيمة ، كما في الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي المَالُ . رواه الترمذي (2336) وحسنه الألباني .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بذلك، كما روى مسلم (1826) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) .
والله أعلم.
تعليق