الحمد لله.
أولا :
إذا صلى المسلم الصلاة مستوفية شروطها وأركانها فقد وقعت صحيحة مجزئة عن الفريضة ، فلا وجه لإعادتها حينئذ ، بل إعادتها تكون أقرب إلى البدعة حينئذ ، لأنه في هذه الحال يتقرب إلى الله بشيء لم يشرعه .
وإن كانت نية الإعادة من أجل وسواس يشككه في طهارته ونحو ذلك ، فإن علاج الوسوسة يكون بالاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، مع الإعراض عن تلك الوسوسة ، وعدم الاستجابة لها ، فإعادة الصلاة في هذه الحال هو استجابة لوسوسة الشيطان ، وعمل بها ، وهذا أجدر أن يكون ممنوعا ، لا مشروعا .
وينظر جواب السؤال (315799)
ثانيا :
أما إذا كانت نية الإعادة بسبب عجزه عن بعض شروط الصلاة أو أركانها ، فقد أجاز ذلك كثير من العلماء في بعض الحالات ، كالأعذار النادرة التي قد تعرض للمصلي ، وبعضهم يجعل الإعادة واجبة ، وبعضهم يجعلها مستحبة .
ينظر: "بدائع الصنائع" (1/50) و"المهذب" (1/117)
ولكن الأقرب في كل هذه المسائل: أن من فعل ما يقدر عليه ، وصلى حسب استطاعته ، فإنه لا إعادة عليه ، وصلاته الأولى صحيحة مجزئة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/429) : "وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا ، فَقِيلَ : يُصَلِّي عريانا . وَقِيلَ : يُصَلِّي وَيُعِيدُ وَقِيلَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ وَلَا يُعِيدُ ، وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي السَّفَرِ وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ. وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
فَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ : أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ وَإِنَّمَا يُعِيدُ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. مِثْلُ مَنْ تَرَكَهُ لِنِسْيَانِهِ أَوْ نَوْمِهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ) وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ لُمْعَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ مِنْ قَدَمِهِ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ" انتهى .
وقال أيضا (21/440) :
"فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ وَلَا عُدْوَانٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الصِّيَامِ وَلَا الْحَجِّ، وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَصُومَ شَهْرَيْنِ فِي عَامٍ وَلَا يَحُجَّ حجين. إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ أَوْ عُدْوَانٌ.
فَإِنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا نَسِيَ بَعْضَ فَرَائِضِهَا: كَالطَّهَارَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَفْرُوضِ: كَمَنْ صَلَّى عريانا لِعَدَمِ السُّتْرَةِ ، أَوْ صَلَّى بِلَا قِرَاءَةٍ لِانْعِقَادِ لِسَانِهِ ، أَوْ لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِمَرَضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُذْرِ النَّادِرِ وَالْمُعْتَادِ ، وَمَا يَدُومُ وَمَا لَا يَدُومُ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى أَنَّ الْعُرْيَانَ إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً صَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَعَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُصَلِّي بِحَسَبِ حَالِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: (صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ" انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/296) :
"ومن فعل ما وجب عليه فقد اتّقى الله ما استطاع، ومن اتَّقى الله ما استطاع فليس عليه أن يُصلِّي مرَّتين؛ لأن الله لم يوجب على عباده العبادة مرَّتين إذا أَتَوا بها على الوجه الذي أُمِرُوا به" انتهى .
فمن دخل في الصلاة وهو ينوي إعادتها في هذه المسأئل التي ذكرها العلماء تقليدًا منه لمن قال ذلك من الأئمة فإنه لا ينكر عليه ، لأن هذه المسائل من المسائل الاجتهادية ، وإن كاالراجح أنه لا يعيد الصلاة – كما سبق- .
والله أعلم .
تعليق