الحمد لله.
الحديث المذكور في فضل عمر رضي الله عنه صحيح متفق عليه ، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :" (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ) . رواه البخاري (3294) ، ومسلم (2396) .
وليس من شك أن حال النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلى وأجل من حال عمر رضي الله عنه ، وقد أمكن الله تعالى نبيه الأمين من شيطانه ، وأقدره عليه ، فأسلم ، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم من شره وأذاه .
قال ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين" (ص228) :
" ولهذا كان حالُ النبي صلى الله عليه وسلم في قهره قرينه ، حتى انقاد وأَسلم له ، فلم يكن يأْمره إلا بخير : أكملَ من حال عمر ؛ حيث كان الشيطان إذا رآه يفر منه ، وكان إذا سلك فجا سلك ، غير فجه.
وبهذا خرج الجواب عن السؤال المشهور ، وهو: كيف لا يقف الشيطان لعمر ، بل يفر منه، ومع هذا قد تفلَّت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرض له وهو في الصلاة ، وأَراد أن يقطع عليه الصلاة؟ ومعلوم أن حال الرسول أكمل وأقوى ؟
والجواب : ما ذكرناه ؛ أَن شيطان عمر كان يفر منه ، فلا يقدر أحدهما على قهر صاحبه، وأَما الشيطان الذى تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم : فقد أخذه وأسره ، وجعله في قبضته كالأَسير.
وأَين من يهرب منه عدوه ، فلا يظفر به ، إلى من يظفر بعدوه ، فيجعله في أَسره وتحت يده وقبضته ؟!". انتهى .
وهناك توجيه آخر ذكره الكلاباذي في "بحر الفوائد" (ص213) قال :
" ويجوز أن يكون الشيطان كان يخاف عمر ، ولا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو خاف النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل خوفه منه وهيبته إياه من أحد وجهين : إما خوف إجلال وتعظيم ، وهو فضيله ، والشيطان أبعد شيء من الفضائل ، أو يكون خوف عقوبة يحلها به ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاجل بالعقوبة استخفافا به ، وقلة مبالاة ، إذ لم يكن صلى الله عليه وسلم يخاف فتنته ، ولا يهاب وسوسته ، وقد أيس الشيطان من ذلك ، فلا يوسوس إليه ، ولا يقرب منه ، وأمن عقوبته ، فلم يهبه اغترارا به ، وأمنًا من مكر الله ، وهما من صفاته ، أعني الاغترار بالله ، وأمن مكره .
وأما عمر رضي الله عنه فإنه كان يخاف الشيطانَ أن يفتنه ، ويوسوس إليه ، فكان يناصبه ، ويستعد له ، ويُنصر عليه ، فكان الشيطان يخافه لاستعداده له ، ومناصبته إياه ، فكان يترك فجه ، وسبيله حذرا منه .
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يبالي به ، ولا يتفكر فيه ، استخفافا به ، واستصغارا له ، كأنه ليس بشيء...
ألا ترى إلى ما روي في الحديث : ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص ) ، هذا فيمن لم يقصد ، فكيف بمن يقصد له ، ذاكرا لله ، مستعيذا به منه .
غير أن الأنبياء عليهم السلام ، والأكابر ممن دونهم لا يبالونه ، ولا يتفكرون فيه ، فهو يأمنهم اغترارا بالله ، فيدنو منهم يروم منهم ما يروم من غيرهم فلا يضرهم ، يضر نفسه ، كمثل الفراش يأمن النار فيدنو منها فيحرق نفسه ". انتهى .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (215060) .
والله أعلم .
تعليق