الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

المطلق والنسبي وهل يقال: الله هو المطلق

266441

تاريخ النشر : 04-09-2018

المشاهدات : 40380

السؤال

هل يجوز أن نصف الله بالمطلق ، وأن نقول الله هو المطلق ؟ كما أرجو أن تفيدني عن العلاقة بين المطلق والنسبي ؟ ومتى يكون المطلق نسبي والعكس ؟ وهل يجوز القول بأن كل شيء نسبي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المطلق والنسبي من المصطلحات المنطقية والفلسفية، ويراد بالمطلق عند الفلاسفة: "التام أو الكامل المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما" انتهى من "موسوعة اليهود واليهودية والنصرانية" (1/ 59) د. عبد الوهاب المسيري.

وينظر: "المعجم الفلسفي"، جميل صليبا (2/ 388).

وهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى، من جهة أن الله تعالى موصوف بالصفات العظيمة، وله وجود حقيقي في الخارج، أما هذا المطلق الخالص من كل تعين أو تحديد فلا يوجد إلا في الذهن.

ومن جهة أن الله لا يتجلى في الزمان والمكان، فهو سبحانه لا يحويه زمان ولا مكان، وهو فوق كل مكان، بائن من خلقه، مستو على عرشه، وعرشه فوق جميع مخلوقاته، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف.

وأما النسبي، فيراد به: "ما ينسب إلى غيره ، ويتوقف وجوده عليه ، ولا يتعين إلا مقرونا به، وهو عكس المطلق، وهو مقيد وناقص ومحدود، مرتبط بالزمان والمكان، يتلون بهما ويتغير بتغيرهما"  انتهى من "موسوعة اليهود" (1/ 59).

وينظر: "المعجم الفلسفي" (2/ 465).

والله تعالى له الكمال العظيم، والصفات العلى، وليس مجرد "المطلق" الذي يؤمن به الفلاسفة.

وما يذكرونه من أنه لا يتغير، يريدون منه أنه لا يتصف بالصفات الفعلية الاختيارية، من المحبة والرضا والغضب والسخط والاستواء والنزول، وتلك ضلالة أخرى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم، فوصفوه بالسلوب والإضافات، دون صفات الإثبات، وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق.

وقد عُلم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن" انتهى من "الرسالة التدمرية"، ص17

وقال: "وهم قد قرروا في منطقهم اليوناني ، ما هو معلوم بصريح العقل : أن المطلق بشرط الإطلاق ؛ إنما يوجد في الأذهان ، لا في الأعيان، كالإنسان المطلق بشرط الإطلاق، والجسم المطلق بشرط الإطلاق، والحيوان المطلق بشرط الإطلاق، وهذا قصدوا به التمييز بين هذا ، وبين الوجود الذي هو موضوع الفلسفة الأولى والحكمة العليا عندهم، وهو العلم الأعلى عندهم الناظر في الوجود ولواحقه...

وهذا الكلام عندهم هو غاية التوحيد والتحقيق والحكمة ؛ وهو غاية التعطيل والكفر والجهل والضلال، وذلك أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الأذهان لا في الأعيان، وهم يسلمون هذا ويقررونه في منطقهم، ويقولون: الكلي ثلاثة أنواع : الكلي الطبيعي، والمنطقي، والعقلي، فالطبيعي هو الحقيقة المطلقة كالإنسانية والحيوانية، وأما المنطقي فهو ما يعرض لهذه من العموم والكلية، والعقلي هو المركب منهما، وهو الطبيعي ، بشرط كونها كلية.

فهذا العقلي لا يوجد إلا في الذهن، وكذلك المنطقي، وأما الطبيعي فيقولون إنه موجود في الخارج، لكن لا يوجد إلا معينا مشخصا، ويقولون إنه جزء المعين ، وإن الماهية في الخارج زائدة عن الوجود الثابت في الخارج" انتهى من "الصفدية" (1/ 112).

وقال: "وطائفة من هؤلاء يقولون: إن الوجود الواجب : هو هذا المطلق لا بشرط. وعلى هذا التقدير فيكون هو عين وجود الموجودات الممكنة الموجودة، أو جزء من ذلك، فيكون الوجود الواجب الخالق للعالم ، هو نفس وجود المخلوق، أو جزء من وجود المخلوق.

فقد تبين أنه إذا قيل إنه وجود مطلق، فإن عُني به المطلق لا بشرط، وهو الطبيعي، لزم أن لا يكون للواجب وجود ، إلا وجود مخلوقاته، أو جزء من وجود مخلوقاته.

وإن عُني به المطلق بشرط الإطلاق، امتنع وجوده إلا في الذهن، وهو الكلي العقلي.

وإن عُني به الوجود المقيد بالقيود السلبية فقط، كما قاله ابن سينا وأتباعه، فهو وإن كان أخص من المطلق لا بشرط، فهو أعم من المطلق بشرط الإطلاق عن السلب والثبوت، وهو أعظم امتناعا منه عن الوجود في الخارج..." انتهى من "الصفدية" (1/ 307).

فتبين بهذا أن الله تعالى ليس هو "المطلق" الذي يؤمن به الفلاسفة، وأن الله تعالى له وجود حقيقي في الخارج ، ليس هو وجود مخلوقاته، بل هو سبحانه بائن عن خلقه، عالٍ عليهم، وأن الله جل جلاله موصوف بالصفات العظيمة، ومنها استواؤه على العرش، ومحبته ورضاه وسخطه وغضبه التي يسميها هؤلاء حركة وتغيرا.

وينظر في إثبات علو الله ومباينته لخلقه: جواب السؤال رقم : (992) ، ورقم : (124469)  ، ورقم : (183941) .

ثانيا:

المطلق لا يكون نسبيا ، وكذلك العكس، لاختلاف حقيقتهما، كما سبق.

ثالثا:

لا يصح القول بأن كل شيء نسبي، فهناك حقائق ثابتة كالدين وتعاليمه ، والأخلاق، ومصدر ذلك الوحي الثابت، قرآنا وسنة، ونصوصهما مطلقة ثابتة لا تقبل التغيير.

ولا يخضع الدين ولا الأخلاق لسطلة المجتمع وما يفرضه ويستحسنه، حتى يكون نسبيا، كما يقوله أصحاب "نسبية المعرفة" و "نسبية الأخلاق".

وللتوسع في ذلك ينظر: "النسبي والمطلق في مفهوم الدين والحق والأخلاق" أ. د. محمود يوسف الشوبكي:

https://platform.almanhal.com/Reader/2/68587

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب