الحمد لله.
إذا سُرق مال الرجل أو تكرر ضياعه منه ، فليس ذلك دليلا على حرمة ماله جميعه أو بعضه .
وإذا جرى مثل هذا للمسلم ، فهذا من جملة المصائب التي يصاب بها الإنسان ، فعليه أن يراجع نفسه ، ويتوب إلى الله ويتفقّد علاقته مع ربه في ماله ؛ فلعله أن يكون قد قصّر في زكاة ماله ، أو اعتدى في طريقة اكتسابه .
أو قد يكون مقارفا لذنوب أخرى من غيبة أو نميمة أو تهاون في صلاة ، أو نيل من عرض مسلم أو مسلمة ، أو غير ذلك .
وقد كان هذا دأب السلف الصالح رضوان الله عليهم .
ولا شك أن الطاعات جالبة للبركات ، فزكاة المال والصدقة منه واكتسابه من الحلال ، كل هذا مما ينمي المال ويحفظه ، لكن هذا ليس على إطلاقه ؛ فقد يبتلي الله بعض عباده بالمصائب ، في أنفسهم : بالأمراض ، وفي أموالهم : بالسرقة والضياع وغير ذلك ؛ وقد يكرر ذلك عليهم ، فيرتفع الصابرون وينالوا الأجر العظيم ، ويخسر المتسخطون المعترضون ، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط .
قال تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة : 155-157 .
والصالحون مع حرصهم على طيب مكاسبهم ، والتورع عن مشتبهها ، فقد يبتلون في أموالهم كما يبتلون في غيرها ، فهم أشد الناس بلاء ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي (2398) وصححه ، وابن ماجة (4023) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
ولعل في صبرك على ضياع هذا المال من المثوبة ما هو أنفع لك وأجدى عليك من بقائه بيدك.
ثالثا :
كثير من الناس يقولون " المال الحلال ما يضيع " ، ويقولون " الحلال ما يسرق ولا يحرق " .
وهذا الكلام غير صحيح – هكذا بإطلاق - ، وقد رُوي فيه حديث ضعيف جدا .
أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (5/45) بسنده عن الحسن البصري ( يقول الله عز وجل : يا ابن آدم! أودع من كنزك عندي، ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفيكه أحوج ما تكون إليه ) وقال " هذا مرسل " .
قال الشيخ الألباني : "سنده صحيح إلى الحسن ، والحسن - هو: البصري -، ومراسيله من أوهى المراسيل فقد قال بعض الأئمة :" مراسيل الحسن البصري كالريح " .
وهذا الحديث لعله أصل ما اشتهر عند العامة في بعض البلدان ، من قولهم :
" المال الحلال لا بانحرق ولا بانسرق ! " .
وهو على إطلاقه منكر ؛ مخالف لقوله تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات . . . ) الآية" انتهى من "السلسلة الضعيفة" (5804) ، (7103) .
والحاصل :
أن ضياع هذه الأشياء منك ، وعدم عودها : لا يلزم أن يكون دليلا على شبهة في مالك ، أو مخالطة الحرام له .
لكن العبد الناصح لنفسه : ينبغي عليه أن يحاسبها ، في مطعمها ، ومشربها ، وملبسها ، ومسكنها ، وسائر ماله : من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ من قبل أن يُسأل عن ذلك غدا .
ويتفقد أمره كله ، ويحاسب نفسه ، قبل يوم الحساب .
والله أعلم .
تعليق