الحمد لله.
أولا :
يستحب للمسلم أن لا يأتي عليه يوم من الأيام ، إلا ويتصدق فيه ؛ والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً ) .
رواه البخاري ( 1374 ) ومسلم ( 1010 ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ، قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ، قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ) . رواه مسلم ( 1028 ) .
قال الشربيني الشافعي :
" وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّاغِبِ فِي الْخَيْرِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ " انتهى، من "أسنى المطالب" (1/408) .
ولا يوصف بالإنفاق كل يوم : من يدفع إلى فقير مالا بعدد أيام السنة ؛ وإن نواها معجلة لكل يوم ريال ؛ لأنها إنما خرجت من ملكه ، وامتلكها الفقير يوم دفعها إليه .
لكن لو دفعها إلى وكيل عنه يخرج منها إلى الفقراء كل يوم ريالا ، فهذا يَصْدُق عليه أنه أنفق في كل يوم صدقة .
ثانيا :
من رحمة الله أن جميع النفقات الواجبة والمستحبة ، من الزكوات والنفقة على العيال وإكرام الضيف ونحوها = كل ذلك داخل في مسمى الإنفاق .
قال النووي في شرح حديث (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا) :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَعَلَى الْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ ، وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا .
وَالْإِمْسَاكُ الْمَذْمُومُ : هو الإمساك عَنْ هَذَا " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (7/95) .
وقال ابن بطال : " معنى هذا الحديث: الحض على الإنفاق في الواجبات، كالنفقة على الأهل وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع، والفرض " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (3/439).
وأما من يقوم بالصدقات الواجبة في بعض الأيام ، ثم لا يتصدق بشيء بقية العام ، فلا يدخل في دعاء الملك عليه بالتلف ؛ لأنه قد قام بالواجب عليه ، والدعاء بالتلف متوجه على من يمتنع عن أداء الصدقات الواجبة .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
"وأما الدعاء بالتلف : فيحتمل تلف ذلك المال بعينه ، أو تلف نفس صاحب المال ، والمراد به : فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها .
قال النووي : الإنفاق الممدوح : ما كان في الطاعات ، وعلى العيال ، والضيفان ، والتطوعات .
وقال القرطبي : وهو يعم الواجبات ، والمندوبات ، لكن الممسك عن المندوبات : لا يستحق هذا الدعاء ، إلا أن يغلب عليه البخل المذموم ، بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ، ولو أخرجه " انتهى من" فتح الباري " (3/305) .
والله أعلم .
تعليق