الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الحور العين التي وعد بها المسلم من الإنس، هل سيكون مثلها لمن آمن من الجن؟

273449

تاريخ النشر : 14-10-2024

المشاهدات : 670

السؤال

مذكور في القرآن الكريم أن الحور العين لم يطمثهن إنس ولا جان، فهل للإنس والجن نفس النوع من الحور، أم إن هناك حور إنسيات، وحور جنيات؟

الجواب

الحمد لله.

الجن مكلفون بعبادة الله وحده كما هو حال الإنس.

قال الله تعالى :

( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56.

وهم مكلفون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ومبشرون بالنعيم الذي بشر به الوحي  من آمن،  ومحذرون من العذاب الذي حذر منه الوحي من عصي.

قال الله تعالى :

( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ، يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الأحقاف/29 – 32.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ( يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ) فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدا صلوات الله وسلامه عليه إلى الثقلين الإنس والجن حيث دعاهم إلى الله، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرحمن " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7 / 303).

هذا هو الأصل العام، لكن هذا لا ينفي أن يكون للجن بعض الخصائص في التكليف والنعيم في الجنة ما يليق بجنسهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" لا ريب أنهم مأمورون بأعمال زائدة على التصديق، ومنهيون عن أعمال غير التكذيب؛ فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلي الإنس في الحد والحقيقة؛ فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد؛ لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم. وهذا ما لم أعلم فيه نزاعا بين المسلمين.

وكذلك لم يتنازعوا أن أهل الكفر والفسوق والعصيان منهم يستحقون لعذاب النار، كما يدخلها من الآدميين؛ لكن تنازعوا في أهل الإيمان منهم؛ فذهب الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد: إلى أنهم يدخلون الجنة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (4 / 233).

وسياق الآيات في سورة الرحمن يقتضي أن نعيم مسلمي الجن، سيكون نعيما مشابها للنعيم الذي وعد به الإنس، ومن ذلك قوله تعالى:

( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) الرحمن /46 – 56.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" والحق أن مؤمنهم كمؤمني الإنس: يدخلون الجنة، كما هو مذهب جماعة من السلف، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) ، وفي هذا الاستدلال نظر، وأحسن منه قوله تعالى: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة …

فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم، وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار -وهو مقام عدل-فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة -وهو مقام فضل-بطريق الأولى والأحرى.

ومما يدل أيضا على ذلك عموم قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا )  وما شبه ذلك من الآيات " انتهى. " تفسير ابن كثير" (7 / 303 – 304).

وقال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" جاء في آية أخرى ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة، وهي قوله تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )؛  لأنه تعالى بين شموله للجن والإنس، بقوله: ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ).

ويستأنس لهذا بقوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ )؛ فإنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالإنس…

وقد تقرر في الأصول: أن الموصولات من صيغ العموم، فقوله: ( وَلِمَنْ خَافَ )، يعم كل خائف مقام ربه، ثم صرح بشمول ذلك الجن والإنس معا بقوله: ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ).

فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه من آلائه، أي نعمه على الإنس والجن " انتهى. "أضواء البيان" (7 / 428 – 429).

فالحاصل؛ أن سياق سورة الرحمن وظاهرها يثبت إمكان أن يطمث الجن "الحور" في الجنة ..

ثم يسكت الخبر عما وراء ذلك؛ فهذا من علم الغيب، الذي لا يجوز الخوض فيه إلا بنص من الوحي، ولا يوجد مثل هذا النص، فعلى المسلم أن يمسك عن مثل هذه المسائل التي لا فائدة من البحث فيها ويكل علمها إلى الله تعالى.

وليس في الخبر عن ذلك ، ولا السؤال عنه منفعة للعبد في دينه ولا دنياه، ولا في ترك تقصي ذلك، أو الجهل به: مضرة عليه. وقد نهينا عن التكلف.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (248948).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب