الحمد لله.
لا يجوز للموظف أن يطلب أجازة مرضية على غير الحقيقة، كأن يذكر مرضا لم ينزل به؛ لما في ذلك من الكذب، والتزوير، وأكل المال بالباطل، ودعوة الطبيب الذي يكتب له التقرير لشهادة الزور.
وهذه محرمات عظيمة لا تخفى.
قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الحج/30 .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا رواه البخاري (5743)، ومسلم (2607).
وروى البخاري (5976)، ومسلم (87) عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ قُلْنَا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ : لَا يَسْكُتُ".
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم تقدم الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة مرضية وهو غير صادق ؟
فأجابوا : " إذا كان واقع الموظف كما ذكر فلا يجوز ذلك ؛ لما فيه من الكذب وغش الدولة ، وأخذ ما يقابل أيام الإجازة المرضية الكاذبة من المال بغير حق " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/152-153).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة ، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه ، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق ؟
فأجاب : في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس ، فقال : وقول الزور وشهادة الزور).
ولا شك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض ؛ لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور ، وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر ، وكذلك الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة ، وآكل للمال بالباطل ، فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة أخذه بغير حق ، وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج ، مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً ، فإن هذا حرام من أكبر الكبائر " انتهى من "اللقاء الشهري" (7/ 13).
وما نزل بوالدتك من المرض –عافاها الله وسلّمها- لا يبيح لها الوقوع في هذه المحرمات.
وعليها أن ترفع أمرها إلى جهة العمل، وأن تخبرهم بواقع الحال، فإن أعطوها أجازة فذاك.
ولها أن تتفاهم مع مديرها المباشر، في تخفيف أعباء العمل عنها، أو نقلها إلى قسم يمكنها أن تقوم بما يطلب منها فيه ، ونرجو أن يكون في ذلك تخفيف عنها.
فإن لم يمكن شيء من ذلك، ولم ينفعها في حالتها ، فلها أن تأخذ أجازة بلا راتب، أو تسوي معاشها، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
تعليق