السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

حكم تخفيض رواتب الموظفين

284921

تاريخ النشر : 27-05-2020

المشاهدات : 16602

السؤال

تمت ترقيتي لأكون من المسؤولين في شركتي ، وبعدها بفترة قصيرة تقرر تخفيض الرواتب من قبل المسؤول الأعلى، ولكن التخفيض لم يكن على الجميع ، والتخفيض كان بنسب مختلفة بدون أي معيار ، وطلب مني المشاركة في وضع المقترحات ، ولخوفي من تخفيض كل الموظفين التابعين لإدارتي قمت بالمشاركة لحماية أفضل الموظفين لدينا ، والمحافظة على رواتبهم الحالية كما هي ، ولكن لوجوب إظهار تخفيض في الرواتب اضطررت إلى تخفيض رواتب أكبر من المفروض للموظفين الأضعف ، ولكن من خوفي من ظلم الناس امتنعت عن تقديم المقترحات لحين استشارتكم. فهل من الأفضل أن أتنحى عن الموضوع كاملا ، مع احتمال أن يتضرر عدد أكبر من الموظفين لتجنبي المشاركة؟ أم أسلم المقترحات لتفادي الضرر على الموظف الأفضل عملا ؟ علما بأنه لا جدوى من مناقشة المسؤول الأعلى في التنحي عن قراره ، على الرغم من أن الشركة لا تعاني من أية مشاكل مادية ، كمان أنه قرر زيادة بعض الموظفين على حسب وجهة نظره في بعض الأقسام التابعه له مباشرة.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تخفيض رواتب الموظفين فيه تفصيل:

1-فإن كان ذلك بعدم ترقية الموظف إلى درجة أعلى، لكونه لا يستحق هذه الدرجة، فلا حرج في ذلك .

ومثل ذلك : لو كان التخفيض عند تجديد العقد، بعد انتهاء مدة العقد الأول ؛ فيكون العقد الجديد بأجر أنقص من الأول ، فإن شاء الموظف قبل، وإن شاء رفض : فلا حرج أيضا في مثل ذلك .

2-وإن كان العقد قائما، وسيخفض من راتبه وهو على الدرجة التي فيها، أو كان يستحق الترقي لدرجة أعلى بحسب النظام المتفق عليه، فيمنع منها، فهذا التخفيض محرم، لما في ذلك من الإخلال بالعقد، وأكل المال بالباطل، وظلم الموظف بمنعه حقه في الترقية ورفع راتبه.

فما دام العقد ساريا، فإن الأجرة المتفق عليها، يجب بذلها للموظف إذا قام بعمله، ويحرم نقصانه منها شيئا؛ وقد روى البخاري (2227) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ  .

وروى ابن ماجه (2443) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ  صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :"عندما أقوم بفصل مشرفة أو عاملة من العمل أو أقسو عليها من الخصم لكي تصلح حالها فهل هذا حرام؟

فأجابوا: الخصم على الموظف أو الموظفة أو الفصل من العمل : لا يجوز إلا في حدود النظام الذي وضعه ولي الأمر " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (23/ 410).

وفيها أيضاً: (15/ 123) سئلوا عن عامل ظلمه صاحب العمل فخصم عليه من الراتب، فكان الجواب: " وإذا حصل بينك وبينه خلاف: فعليك بمراجعة المحكمة الشرعية للنظر في قضيتكما، ولا يجوز لك الأخذ من ماله بغير إذنه وعلمه " انتهى.

وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " إذا غاب العامل عن العمل دون عذر، وقد أخبره صاحب العمل أنه إذا غاب فالجزاء خصم راتب يومين مقابل كل يوم، فهل يجوز لصاحب العمل هذا الفعل؟

فأجاب: لا يجوز ، إلا إذا أراد أن يأكل أموال الناس، ويظلم الناس حقوقهم -نسأل الله السلامة والعافية- يقول الله في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه فقد خصمته: رجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره)، والوفاء: أن تعطيه أجرته تامة كاملة.

وبناءً على ذلك فإن نصوص الكتاب والسنة واضحة في تحريم هذا الأمر؛ لأننا إذا قلنا: إن العامل قد عمل شهراً إلا يوماً واحداً، فجاء -بناءً على غيابه في اليوم- وأنقص منه أجرة ذلك اليوم مضاعفاً بيومين مثلاً، فأخذ قسط يومين عقوبة، ففي هذه الحالة لم يوفه أجره؛ لأن أجره أجرة تسعة وعشرين يوماً، وهذا أعطاه أجرة ثمانية وعشرين يوماً، وإذا قال: اليوم بثلاثة أيام؛ فقد أعطاه أجرة سبعة وعشرين يوماً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فلم يوفه أجره)..." انتهى من " شرح زاد المستقنع" على المكتبة الشاملة.

فعليك نصح المسئول، وبيان الحكم الشرعي له ليحذر الظلم، فإن أراد الخصم فليكن عند تجديد العقد، وله حينئذ أن يغير بنوده فيما يتعلق بالترقيات والزيادات أيضا.

ثانيا:

إذا كان تخفيض الرواتب يقع على الصورة المحرمة، فلا يجوز لك المشاركة فيه باقتراح أو غيره؛ لحرمة الإعانة على الإثم والعدوان. قال تعالى:  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  المائدة/2.

لكن إن كان اقتراحك يخفف الظلم عن الموظفين، فلا بأس، كأن تعلم أنه يراد تخفيض رواتبهم إلى النصف مثلا، فتقترح ما يخفف ذلك.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس التي في إقطاعه فيسقط النصف، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأجاب بقوله:

"نعم ، إذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه ، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع ، ولا إثم عليه في ذلك؛ بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه ، إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه.

وقد يكون ذلك واجبا عليه إذا لم يقم به غيره ...

فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان : فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك ، إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب ، والحالة هذه ، بما يعجز عنه من رفع الظلم ...

والمُقطع الذي يفعل هذا الخير، يرفع عن المسلمين ما أمكنه من الظلم ، ويدفع شر الشرير بأخذ بعض ما يطلب منهم .

فما لا يمكنه رفعه : هو محسن إلى المسلمين غير ظالم لهم، يثاب ولا إثم عليه فيما يأخذه على ما ذكره، ولا ضمان عليه فيما أخذه، ولا إثم عليه في الدنيا والآخرة إذا كان مجتهدا في العدل والإحسان بحسب الإمكان" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 356 - 360).

هذا إذا كان التخفيف عن جميع الموظفين.

وأما اقتراح تخفيض رواتب البعض- ظلما- لحماية البعض الآخر المجيد للعمل، فلا يجوز؛ فإن الظلم يجب رفعه عن الجميع، ولا تسوغ المشاركة فيه لمراعاة مصلحة العمل، فانج بنفسك، وابرأ من الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب