الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

هل كان جائزا في الشرائع السابقة قتل النساء والأطفال؟

285599

تاريخ النشر : 31-10-2023

المشاهدات : 1704

السؤال

كثيرا ما نرى الباحثين والمنظرين يحتجون بما ورد في العهد القديم من قتل النساء والأطفال والبهائم كحجة على من يتهم الإسلام بالإرهاب من أهل الكتاب، فهل ثبت هذا التشريع للقتل في الأمم السابقة في القرآن الكريم أو السنة؟ أم أنها من تحريفات الأحبار والرهبان؟ وإذا صح أن الأنبياء عليهم السلام فعلوا ذلك، فما الحكمة من إهلاك النساء والذراري؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ورد في كتب أهل الكتاب ما يشير إلى أن الجهاد في عهد أنبياء بني اسرائيل كان يؤذن فيه أحيانا بقتل كل نفس حية، ولا يقتصر على قتل المقاتلين وحدهم، أو من بلغ سن البلوغ من الذكور.

وقد ساق الشيخ محمد رحمت الله الهندي طائفة من هذه النصوص في كتابه "إظهار الحق" (4 /1259).

ومثل هذه الأخبار لا نعلم من نصوص ديننا ما يثبتها أو ينفيها، ولهذا فالأولى بالمسلم أن يكل علمها إلى الله تعالى ولا يصدقها ولا يكذبها؛ لأنها ربما كانت قضايا معينة لها أسبابها كما تشير إلى ذلك بعض هذه النصوص؛ فالله أعلم بها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا... الآيَةَ رواه البخاري (4485).

وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/712).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

"وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لأمته أن تحدث عن بني إسرائيل، ونهاهم عن تصديقهم وتكذيبهم، خوف أن يصدقوا بباطل، أو يكذبوا بحق.

ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات؛ في واحدة منها يجب تصديقه، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه، وفي واحدة يجب تكذيبه، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق، كما في الحديث المشار إليه آنفا: وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه" انتهى من "أضواء البيان" (4/238).

على أنه لا يمتنع أن تذكر هذه النصوص وما يشبهها في مقام مجادلة أهل الكتاب، الذين يأخذون بكتبهم، ولا ينكرونها، ثم ينكرون على المسلمين أحكام شريعتهم في الجهاد، فهذا إلزام ظاهر لهم، بما يعتقدونه، ويصدقونه من كتبهم. ولا يلزم أن نكون نحن ممن يصدق بهذه الكتب، أو يؤمن بأنها هكذا نزلت من عند الله.

فإن كانت كتبهم صادقة، كان الإلزام لهم ظاهرا؛ ينكر القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عين نفسه!!

وإن كانت كاذبة، كانوا يؤمنون بالدين المبدل، والخبر الكاذب؛ وينكرون على من يؤمن بالكتاب المنزل، والشرع الصادق!!

ثانيا:

مما هو واجب الاعتقاد؛ أن الله لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، وينهى عن الظلم والبغي.

قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل/90.

وأن الله لا يظلم أحدا من عباده.

قال الله تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ق/29.

والله تعالى أرسل الرسل بالميزان والعدل.

قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الحديد.

وشريعة الجهاد التي فرضت على بني اسرائيل لا تخرج عن حدود الميزان الذي جاء به هؤلاء الرسل، ليتحقق التدافع، فلا يحصل بغي وفساد للأرض.

قال الله تعالى في قصة طالوت وجالوت: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة/250-251.

فالذي على المسلم أن يعتقده؛ أن هذه الحوادث إن كانت قد حصلت، فهي قد وقعت لسبب خاص، وعلى وجه لا ظلم ولا بغي فيه والله أعلم بحالها؛ والذي يفهم من نصوص كتبهم أن الإذن بقتل النساء والأطفال كان بوحي من الله تعالى وفي حالة خاصة، ونصت بعض هذه الأخبار على أنهم إن لم يقتلوهم سيكونون لهم ضررا وشرا؛ وإذا كان هذا فالله أعلم بخلقه وما هو الأصلح.

قال القرطبي رحمه الله تعالى؛ في تفسيره لقصة موسى والخضر من سورة الكهف:

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا الكهف /74.

" وقال الجمهور: لم يكن -الغلام- بالغا، ولذلك قال موسى: زاكية لم تذنب، وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام، فإن الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ، وتقابله الجارية في النساء.

وكان الخضر قتله لما علم من سِرِّه، وأنه طبع كافرا كما في صحيح الحديث، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفرا، وقتل الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك، فإن الله تعالى الفعال لما يريد، القادر على ما يشاء" انتهى من "تفسير القرطبي" (13/331).

وبعض تفاصيل هذه الأخبار قد يغلب على الظن أنها مقحمة، ومما قد يشير إلى هذا أنه قد ورد في بعضها أنهم كانوا يتملّكون الغنائم، وقد جاء الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الغنائم لم تحل للأمم السابقة.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ رواه البخاري (438)، ومسلم (521) واللفظ له.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي )، قال العلماء: كانت غنائم من قبلنا يجمعونها ثم تأتي نار من السماء فتأكلها؛ كما جاء مبينا في الصحيحين من رواية أبي هريرة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي غزا وحبس الله تعالى له الشمس " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (5/3).

والحديث الذي أشار إليه الإمام النووي هو:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا، فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِم، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْهَا: ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا رواه البخاري (3124)، ومسلم (1747).

فالحاصل؛ أن هذه أخبار لحوادث لا يمكن الإحاطة بحقيقتها، ولذلك فإننا نكل علمها إلى الله تعالى، ونعتقد أنها إن كانت حقا فإن الله قد أمر فيها بأعدل حكم  يناسب حالهم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب