الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

قول منسوب لابن مسعود عن التحذير من محبة الظالمين

288248

تاريخ النشر : 04-07-2018

المشاهدات : 100774

السؤال

قولٌ وردَ عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه ، يقول فيه : " لو أنّ أحدَكم عبدَ ربّه سبعين عاماً بين الكعبة ومقامِ إبراهيم ثم أتى يوم القيامة وهو يُحبُّ ظالماً، حُشر معه في نار جهنّم ". طبعًا هو ليس حديثا ، لكن أريد أن أستفسر عن معنى هذا القول ؟ وهل الحشر هنا يعني أنه يخلد في النار أم فقط يدخلها ويخرج منها ؟ وهل من الصحة تداول أقوال هكذا لردع البعض عن مناصرة الظالمين ، أو ليكون فيها العبرة لمثل هؤلاء ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لم نقف على هذا القول مسندا لابن مسعود رضي الله عنه، فعلى المسلم أن يتحقق من مثل هذه الأقوال فلا ينشر إلا ما تأكد من صحته، حتى يتجنب الوقوع في الكذب على الصحابة رضي الله عنهم وهو لا يشعر.

ثانيا:

لكن على فرض ثبوته عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ فيحمل معنى قوله ( وهو يُحبُّ ظالماً ) على الحب الذي يلزم منه الرضا بظلمه؛ فهو في هذه الحالة متوعد بالنار.

قال الله تعالى:  وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ  هود/113.

قال القرطبي رحمه الله تعالى : " قوله تعالى: (ولا تركنوا) الركون حقيقةً : الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم.

ابن جريج: لا تميلوا إليهم. أبو العالية: لا ترضَوْا أعمالهم، وكله متقارب...

قوله تعالى: (إلى الذين ظلموا) قيل: أهل الشرك.

وقيل: عامة فيهم وفي العصاة ... وهذا هو الصحيح في معنى الآية ، وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي، من أهل البدع وغيرهم ، فإن صحبتهم كفر أو معصية ، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة " انتهى من "تفسير القرطبي" (11 / 225 - 226).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ( وَلا تَرْكَنُوا ) أي: لا تميلوا ( إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) فإنكم، إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم ( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) إن فعلتم ذلك ( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ) يمنعونكم من عذاب الله ، ولا يحصلون لكم شيئا، من ثواب الله " .

انتهى من  "تفسير السعدي" (ص 391).

وعن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:  " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ  رواه البخاري (6169) ، ومسلم (2640).

قال أبو المظفر يحيى بن هبيرة رحمه الله تعالى:

" ويستدل من نطق هذا الحديث على أنه لا ينبغي لمسلم أن يحب كافرًا ولا أن يوده ، ولا أن يتعرض أن يكون له عنده يد فيودّه لأجلها مخافة أن يلحقه الله به ؛ لظاهر هذا الحديث ، فإنه لم يقل : المرء مع من أحب من الصالحين خاصة ، بل أطلقه ، وهذا عام يتناول الصالحين وغير الصالحين " انتهى من "الإفصاح" (2 / 74).

ثالثا :

هذا التوعد بالنار إنما يكون بحسب الظلم الذي رضي به؛ فإن كان كفرًا كالساعي في محاربة الإسلام وطمس معالمه ، ورفع الشرك وأهله ؛ فالرضا بالكفر يكفر به صاحبه، ويكون خالدا به في نار جهنمّ.

قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا النساء /140.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" ( إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )؛ فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي ، إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر " .

انتهى من "تفسير القرطبي" (7 / 185).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ( إِنَّكُمْ إِذًا ) أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة ( مِثْلُهُمْ ) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 210).

وأما إذا كان ظلم الظالم من جنس المعاصي كأخذ أموال الناس بالباطل أو الاعتداء على دمائهم أو أعراضهم ونحو هذا، فهذا ذنب عظيم ، لكن إذا كان صاحبه مسلما؛ فحكمه حكم أهل الكبائر أنه لا يقطع له بالنار وإن دخلها لا يخلّد فيها، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان؛ وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، واتفقوا أيضا على أن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع فيمن يأذن الله له بالشفاعة فيه من أهل الكبائر من أمته. ففي "الصحيحين" عنه أنه قال: ( لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 222).

وقد روى البخاري (1237) ومسلم (94) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي - أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي - أَنَّهُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ  ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ:  وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ .

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار ، وأنهم إن دخلوها أخرجوا ، منها وختم لهم بالخلود في الجنة " انتهى من  "شرح صحيح مسلم" (2 / 97).

وللأهمية راجع جواب السؤال رقم : (174951).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب