الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

هل الجن يتلبس بالمسلمين فقط ؟

288283

تاريخ النشر : 07-04-2018

المشاهدات : 55082

السؤال

وجدت مقالا تطرح سؤال ، وأريد جوابا لهذا السؤال ، لماذا يتلبس الجن بالمسلمين فقط ، ولا نجدهم يتلبسون بالكفار والنصاري سواء كانوا يعيشون معنا ، عرب يعني ، أو كانوا من بلاد الغرب ؟

الجواب

الحمد لله.

دخول الجني في بدن الإنسي ثابت بإجماع أهل السنة والجماعة ، وقد دلت عليه أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : " وجود الجن ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة ، وهو أمر مشهود محسوس لمن تدبره ، يدخل في المصروع ، ويتكلم بكلام لا يعرفه ، بل ولا يدري به ، بل يضرب ضربا لو ضربه جمل لمات ، ولا يحس به المصروع " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/12). 

وينظر جواب السؤال رقم (1819) و (120232

ولم ينكر دخول الجن في الإنس إلا أناس من المعتزلة ؛ كالجبائي وغيره ، وتبعهم في ذلك طائفة من العقلانيين المعاصرين .

واحتج هؤلاء المنكرون بأدلة عقلية ، منها : أن الشيطان لو كان يقدر على دخول بدن الإنسان وخاصة غير المؤمن فلماذا لم يشكُ الكفار المعاصرون من احتلال الجن لأجسامهم ؟ 

وأجيب عن هذا : بأن الجن لا يفرق بين مسلم وكافر ، فمتى وجدت أسباب الصرع ، ولم يكن الشخص محصنًا من الجن ؛ حصل الصرع .

وقد حصر شيخ الإسلام ابن تيمية أسباب صرع الجن للإنس في ثلاثة أسباب فقال : " وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة : تارة يكون الجني يحب المصروع ، فيصرعه ليتمتع به ، وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل .

وتارة يكون الإنسي آذاهم ، إذا بال عليهم ، أو صب عليهم ماء حارًّا ، أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى ، وهذا أشد الصرع ، وكثيرًا ما يقتلون المصروع .

وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/ 82).

وهذه الأسباب تحصل من المسلم ومن الكافر على حدٍّ سواء .

ونفي تلبس الجن بالكافر .. نفي غير صحيح . ولا يستطيع النافي أن يقيم دليلا على ذلك ؛ ومن المشهور عن كثير من قسوسهم ورهبانهم : الانشغال بإخراج الجن من أبدان المصروعين ، حتى إن بعض سفهاء المسلمين يذهبون إليهم لأجل ذلك ، وفي المصروعين من هو على ملتهم ، وعلى غير ملتهم .

وإذا قدر أن الكفار لا يشكون من ذلك !!

فعدم شكواهم : ليست دليلا على النفي ، فقد يكون كثير منهم لا يؤمن بالجن أصلا ، أو لا يعلم بهم ، ولا يعلم بصرعهم للإنس ، فيفسرون صرع الجن لمن يصرعه منهم ، بمبلغ علمهم المادي المحسوس ، ولم يعلموا أن وراءه سببا غيبيا لا يعلمونه .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الصرع له سببان : قد يكون سببه الجن ، وقد يكون سببه مرضا عضويًا .

فقال :

"الصَّرَعُ صَرَعَانِ: صَرَعٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَصَرَعٌ مِنَ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ. وَالثَّانِي: هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ فِي سَبَبِهِ وَعِلَاجِهِ.

وَأَمَّا صَرَعُ الْأَرْوَاحِ فَأَئِمَّتُهُمْ وَعُقَلَاؤُهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِهِ وَلَا يَدْفَعُونَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ عِلَاجَهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْوَاحِ الشَّرِيفَةِ الْخَيِّرَةِ الْعُلْوِيَّةِ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ الْخَبِيثَةِ ، فَتُدَافعُ آثَارَهَا، وَتُعَارِضُ أَفْعَالَهَا وَتُبْطِلُهَا .

وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أبقراط فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، فَذَكَرَ بَعْضَ عِلَاجِ الصَّرَعِ، وَقَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَنْفَعُ مِنَ الصَّرَعِ الَّذِي سَبَبُهُ الْأَخْلَاطُ وَالْمَادَّةُ. وَأَمَّا الصَّرَعُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ هَذَا الْعِلَاجُ.

وَأَمَّا جَهَلَةُ الْأَطِبَّاءِ وَسَقَطُهُمْ وَسِفْلَتُهُمْ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ بِالزَّنْدَقَةِ فَضِيلَةً : فَأُولَئِكَ يُنْكِرُونَ صَرَعَ الْأَرْوَاحِ وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الْجَهْلُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَالْحِسُّ وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِهِ، وَإِحَالَتُهُمْ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ بَعْضِ الْأَخْلَاطِ ، هُوَ صَادِقٌ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ لَا فِي كُلِّهَا" انتهى من "زاد المعاد" (4/66، 67) .

فهؤلاء عندهم –كما عند غيرهم- مستشفيات عقلية ونفسية ، ولكنهم يفسرون جميع الأمراض بالتفسير المادي العضوي ، ويغفلون عن السبب الآخر الذي لا يؤمنون به .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"وَجَمَاهِيرُ الْأُمَمِ يُقِرُّ بِالْجِنِّ ، وَلَهُمْ مَعَهُمْ وَقَائِعُ يَطُولُ وَصْفُهَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ الْجِنَّ إلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ جُهَّالِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْأَطِبَّاءِ وَنَحْوِهِمْ ، وَأَمَّا أَكَابِرُ الْقَوْمِ فَالْمَأْثُورُ عَنْهُمْ: إمَّا الْإِقْرَارُ بِهَا. وَإِمَّا أَنْ لَا يُحْكَى عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ.

وَمِنْ الْمَعْرُوفِ عَنْ بقراط أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ: إنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ الصَّرْعِ ، لَسْت أَعْنِي الَّذِي يُعَالِجُهُ أَصْحَابُ الْهَيَاكِلِ ، وَإِنَّمَا أَعْنِي الصَّرْعَ الَّذِي يُعَالِجُهُ الْأَطِبَّاءُ.

وَأَنَّهُ قَالَ: طِبُّنَا مَعَ طِبِّ أَهْلِ الْهَيَاكِلِ ، كَطِبِّ الْعَجَائِزِ مَعَ طِبِّنَا.

وَلَيْسَ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ حُجَّةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا تَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ ، وَإِنَّمَا مَعَهُ عَدَمُ الْعِلْمِ؛ إذْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، كَالطَّبِيبِ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الْبَدَنِ مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمِزَاجِهِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ النَّفْسِ ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْجِنِّ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ غَيْرِ طِبِّهِ : أَنَّ لِلنَّفْسِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي الْبَدَنِ ، أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ الطِّبِّيَّةِ ، وَكَذَلِكَ لِلْجِنِّ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/32) .

نقول ذلك : مع تنبيهنا إلى أن أمر الجن ، وصرعه للإنس ، ونحو ذلك : قد حصل فيه من المبالغات ، والأخطاء والبدع ، ما حصل ، وشغل من اهتمام الناس ، وتفكيرهم ، وتصرفاتهم : أضعاف ما يستحق ذلك الباب .

وكثير من الحالات التي يظن أنها من صرع الجن : تكون أمراضا عضوية تارة ، وأمراضا نفسية تارة أخرى ، لكن أخطأ بها الناس طريق الطب والدواء ، وزادها خطآ وذهابا عن الطريق : الدجالون ، والمتربحون ، والمتكسبون من آلام الناس ، وأوهامهم .

والذي ينبغي : أن تكون عناية العبد بتحصين نفسه بذكر الله وطاعته ، وتحصين أولاده ، وأهل بيته بالرقية الشرعية ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين بالمعوذتين :

ومتى ألم به لمم ، في نفسه ، أو أهل بيته : فليكن هو راقي نفسه ، وأولاده ، وأهل بيته ، ويستعين بالرقى العظيمة : سورة الفاتحة ، وهي الشفاء ، والمعوذتين ، والأدعية النبوية .

ومتى بقي عليه شيء من ذلك الداء ، أو اللمم ، فليبحث في طب الأطباء ، الطب العضوي ، إن كان بأعضائه وجع ، أو الطب النفسي ، وليتخير الثقات المأمونين منهم .

وليكن ذلك كله ، أولى من سعيه في طريق الرقاة ، أو من يتسمون بذلك ، فإن الدجل والخزعبلات ، وأكل أموال الناس بالباطل : فاشية في أهل ذلك الطريق ؛ قد عرف أمرهم القاصي والداني .

ومتى احتاج لرقية راق من غيره : فليتخير الثقات ، ذوي الديانة ، وليحذر الحذر كله من المتكلفين ، والدجالين .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب