الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يشرع للإمام استدبار المصلين بعد استقبالهم؟

288774

تاريخ النشر : 20-06-2018

المشاهدات : 17132

السؤال

أحد أئمة مسجدنا يصلي بنا الفجر ، ثم يستقبلنا بوجهه مدة ربع ساعة تقريبا وحتى يخرج أغلب المصلين ، ثم يستدبرنا ، ويستقبل القبلة مرة أخرى ، فيذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس قيد رمح ، فهل فعله هذا موافقٌ للسنة ، وإن لم يكن فهل هو جائزٌ شرعاً ؟

ملخص الجواب

هذا الإمام وافق السنة في تحوله بعد السلام واستقباله المصلين ، ووافق السنة بجلوسه في مصلاه بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس . وأما ما يفعله من استقبال القبلة بعد انصراف المصلين ؛ فهو وإن لم ينقل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إلا أنه لا حرج فيه ، إن شاء الله .  

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

السنة للإمام بعد التسليم من الصلاة أن يستغفر الله ثلاثًا ، ثم يقول :   اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ   ، ثم يلتفت إلى المصلين ، فيقبل عليهم بوجهه .

ودل على ذلك ما رواه البخاري (845) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ " .

وروى مسلم (709) عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ".

قال ابن القيم رحمه الله : " كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثاً ، وقال :   اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ ، ومنكَ السلاَمُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ   ، ولم يمكث مستقبِلَ القِبلة إلا مقدارَ ما يقولُ ذلك ، بل يُسرع الانتقالَ إلى المأمومين ، وكان ينفتِل عن يمينه وعن يساره " .

انتهى من " زاد المعاد" (1/295).

وقال بعض أهل العلم : " كان من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا سلم تحول عن القبلة ، وانحرف يميناً أو شمالاً ، ولم يمكث مستقبل القبلة ، فإن كان هناك حاجة وضرورة إلى خطاب الناس جلس مستقبلاً لجميع المؤتمين ، وخاطبهم وكلمهم ، وإن لم يكن هناك شيء يتعلق بخطاب القوم ، فتارة جلس منحرفاً يمنة ، بأن يجعل يمينه إلى القوم ويساره إلى القبلة ، وتارة جلس منحرفاً يسرة بأن جعل يساره إلى القوم ويمينه إلى القبلة ، وتارة لا يجلس ، بل يذهب إلى جهة حاجته سواء كانت عن يمينه أو عن شماله " .

انتهى من " مرعاة المفاتيح " (3/ 303) .

وقيل : إن الحكمة من تحوله صلى الله عليه وسلم عن القبلة واستقباله المأمومين هو أن يعلمهم ما يحتاجون إليه . وقيل : ليعلم الداخل أن الصلاة قد انتهت .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ تَعْرِيفُ الدَّاخِلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْقَضَتْ إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ الْإِمَامُ عَلَى حَالِهِ لَأَوْهَمَ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ مَثَلًا ، وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَإِذَا انْقَضَتِ الصَّلَاةُ زَالَ السَّبَبُ ، فَاسْتِقْبَالُهُمْ حِينَئِذٍ يَرْفَعُ الْخُيَلَاءَ وَالتَّرَفُّعَ على الْمَأْمُومين " .

انتهى من "فتح الباري" (2/ 334).

وبما أن الحكمة من استقبال المأمومين هي إما تعليمهم ما يحتاجون إليه أو ليعلم الداخل أن الصلاة قد انتهت ؛ فإن الاستقبال ينتهي بانتهاء الحكمة منه .

 أي إن الإمام إذا انتهى من تعليم المأمومين ما يحتاجون إليه ، أو انقضى الوقت الذي يعرف به الداخل انتهاء الصلاة – وهو القدر الذي تقال فيه أذكار ما بعد الصلاة في العادة - ؛ فحينها يشرع للإمام أن يفعل ما يشاء ، كأن يستقبل القبلة ويذكر الله تعالى ويدعوه ، أو يتحول من موضع صلاته وإمامته إلى مكان آخر في المسجد ، وهو أفضل له ، أو ينصرف من المسجد بالكلية ، إن شاء.

سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : هل الأولى للإمام أن ينصرف بعد الصلاة مباشرة أو ينتظر قليلاً ؟

فأجاب : " الأولى للإمام أن يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يستغفر الله ثلاثاً ، ويقول :   اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، ثم ينصرف إلى جهة المأمومين  .

أما بقاؤه في مكانه : فإن كان يلزم من قيامه تخطي رقاب المأمومين ، فالأولى أن يبقى حتى يجد متسعاً ، وإلا فله الانصراف " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/239).

ثانيًا:

أما الجلوس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ :   أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا  رواه مسلم (670).

ولعل هذا الإمام يريد أن يجلس في ذات المصلى الذي صلى فيه ، حتى تطلع ؛ لذلك يبقى في مكانه وبعد أن ينصرف المصلون يستقبل القبلة .

وفي صحيح البخاري (445) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ   .

والذي يظهر أنه لا يلزم المصلي أن يبقى في مكانه الذي صلى فيه ، وإنما المقصود أن يظل في المسجد ؛ لما روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ   وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3403).

فلم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بقاءه في المكان الذي صلى فيه ، فلو انتقل إلى مكان آخر داخل المسجد ، وجلس يذكر الله تعالى ، شمله الحديث ، وقد نص على ذلك بعض أهل العلم .

قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري (4/56) : " ورد في فضل من جلس في مصلاه بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحاديث متعددة ، وهل المراد بـ ( مُصلاه ) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ ؟

هَذَا فِيهِ تردد .

وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة : " أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء  " .

وفي رِوَايَة لَهُ : " كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام  " .

ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه ، وخرجه الطبراني ، وعنده : "  كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس ". ولفظة : ( الذكر ) غريبة .

وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم : " وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة ، فيضحكون ويتبسم" .

فهذا الحديث يدل على أن المراد بـ ( مصلاه الذي يجلس فيه ) : المسجد كله ، وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء ، منهم : ابن بطة من أصحابنا وغيره " انتهى .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (170086) ، ورقم : (109794)  .

والحاصل :

أن هذا الإمام قد وافق السنة في تحوله بعد السلام واستقباله المصلين ، ووافق السنة بجلوسه في مصلاه بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس .

وأما ما يفعله من استقبال القبلة بعد انصراف المصلين ؛ فهو وإن لم ينقل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إلا أنه لا حرج فيه ، إن شاء الله .

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب