الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حديث: (لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ) هل يدل على إيمان أبوي النبي صلى الله عليه وسلم؟

290276

تاريخ النشر : 04-10-2018

المشاهدات : 53787

السؤال

فأريد أن أسأل سؤالين ، لم أستطع أن أجد لهما إجابة في أي مكان ، ولم أستطع فهمهما الأول : أن رسول الله قال : إن أباه في النار ، حيث إن نص الحديث يقول : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : " أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي قال: (في النار) فلما قفى دعاه ، فقال : ( إن أبي وأباك في النار) والحديث صحيح ، وموجود في " صحيح مسلم " . وموجود أيضا حديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم لا أعرف صحته يقول : ( لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات) ، فكيف يجمع بين الحديثين أن أباه في النار ، وبين الحديث الثاني؟

الجواب

الحمد لله.

دلت السنة الصحيحة على أن والدي النبي صلى الله عليه وسلم في النار :

روى مسلم ( 203 ) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ :  فِي النَّارِ  ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار " .

وقوله : (فَلَمَّا قَفَّى) : أي انصرف .

قال النووي رحمه الله :"فِيهِ : أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار , وَلا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة ، عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الأَوْثَان : فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار.  وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة ؛ فَإِنَّ هَؤُلاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلامه عَلَيْهِمْ " انتهى من "شرح مسلم" (3/ 79).

وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي  .

قال النووي رحمه الله :" فيه جواز زيارة المشركين في الحياة ، وقبورهم بعد الوفاة ، لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ، ففي الحياة أولى ، وقد قال الله تعالى : (وصاحبهما في الدنيا معروفا) .

وفيه النهي عن الاستغفار للكفار ، قال القاضي عياض رحمه الله : سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها : أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها .

ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : (فزوروا القبور ، فإنها تذكركم الموت) انتهى من "شرح مسلم" (7/ 45).

وقال في "عون المعبود" (9/ 40): " ( فَلَمْ يَأْذَن لِي ) : لأَنَّهَا كَافِرَة وَالاسْتِغْفَار لِلْكَافِرِينَ لا يَجُوز" انتهى.

وأما حديث: (لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات)

فقد رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (15) بلفظ: (لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ ، إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا).

قال الألباني رحمه الله: "وإسناده واه ؛ مَن دون عكرمة لم أعرفهم" انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 331).

وقال الشوكاني رحمه الله : " هو موضوع. وضعه بعض القصاص" انتهى من "الفوائد المجموعة" (320) .

وينظر : "البدر المنير" لابن الملقن (7/634) ، "المطالب العالية" للحافظ ابن حجر ، وحاشية المحقق (17/195-201) .

وعلى فرض صحته فإنه لا يعارض ما تقدم، فالمقصود منه أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد من نكاح لا من سفاح، وأن الله اختار نسبه، وصانه أن يكون فيه فجور، كما صرح به في أول الرواية : (لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ ..) ؛ ولا يلزم من ذلك إيمان أبيه أو جده عبد المطلب.

ثانيا:

مما احتج به الشيعة في هذا المقام –كما قال الرازي وغيره -: قوله تعالى:  وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ  الشعراء/219 .

وقد جاء عن ابن عباس: " (وتقلبك فى الساجدين) , قال: من نبى إلى نبى حتى أخرجت نبيا " رواه ابن عساكر.

وهذا ضعيف لم يثبت.

قال الألباني في "الإرواء" (6/ 332): " طريق أخرى عنه موقوفا ، يرويه شبيب عن عكرمة عن ابن عباس...

قلت: وشبيب بن بشر ضعيف ، قال الحافظ فى " التقريب ": " صدوق , يخطىء ".

وقال الذهبى فى " الضعفاء ": " قال أبو حاتم: لين الحديث ".

قلت: فقول الهيثمى فى " المجمع " (7/86) : " رواه البزار والطبرانى ، ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة " ليس منه بجيد ، مع تضعيف من ذكرنا لشبيب هذا.

نعم لم يتفرد به ، فقد رواه سعدان بن الوليد عن عطاء عن ابن عباس به.

أخرجه أبو نعيم (1/12) ، وابن عساكر (1/267/2) .

لكن سعدان هذا لم أعرفه ، والله أعلم" انتهى.

ومعنى الآية، ففيها أقوال ذكرها الطبري رحمه الله في تفسيره، وهي:

1- تقلبك في صلاتك حين تقوم ، ثم تركع ، وحين تسجد .

ورواه بإسناده إلى ابن عباس وعكرمة .

2- تقلبك في المصلين، وإبصارك منهم من هو خلفك، كما تبصر من هو بين يديك منهم.

ورواه عن مجاهد.

3- وتقلبك مع الساجدين: أي تصرفك معهم في الجلوس والقيام والقعود.

ورواه عن ابن عباس وقتادة ، وابن زيد ، ورجحه.

4-أي تصرّفك في الناس.

ورواه عن الحسن.

5- تصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في قول قائل هذا القول: الأنبياء.

ورواه عن سعيد بن جبير.

قال الطبري رحمه الله: " وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال تأويله: ويرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك، حين تقوم معهم وتركع وتسجد، لأن ذلك هو الظاهر من معناه" انتهى من "تفسير الطبري" (19/ 411- 413).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب